سوريا

عفرين بين المطالبة بالحقوق وقوة السلاح الأراضي بين المشاع والاستغلال

قضية الأراضي في عفرين بين المشاع والاستغلال

عفرين بين المطالبة بالحقوق وقوة السلاح الأراضي بين المشاع والاستغلال

يعاني أصحاب الأراضي والعقارات من استملاك بعض الفصائل لأراضيهم وعقاراتهم منذ سنوات. ولعل الغريب في الأمر هو شرعنة هذا الاستملاك أحيانًا بقرارات صادرة عن المجالس أو المحاكم أو مكاتب قانونية تتبع لبعض الفصائل.

يروي أبناء وورثة أحمد كولين معمو قصتهم لوكالة الصحافة السورية قائلين: “نملك أرضنا منذ 150 سنة في جنديرس، في الحي الجنوبي، والتي تقع ضمن قطاع فيلق الشام. كنا قد بعنا جزءًا منها لرجل من جنديرس، وبنى فيها منزلًا. انتقل المالك الجديد إلى حلب ولم يعد، وقد سكن فيها قيادي في فيلق الشام، وقام ببناء سور كبير حول المنزل من أرضنا بمساحة تقدر بـ500 متر دون الرجوع إلينا.

اعترضنا على ذلك ولكن دون أي نتيجة. بعدها، قمنا باستخراج رخص للبناء من المجلس المحلي في جنديرس لبناء محلات تجارية في نفس الأرض على طريق تل سلور. فطلبوا منا، أي فيلق الشام، الأوراق والثبوتيات، فقدمناها لهم، وبقيت عندهم لمدة شهر ولم يعيدوها لنا. أعطونا الإذن بالبناء مقابل دفع مبلغ 9,000 دولار للسماح لنا بالبناء.

تصريح من الورثة للسماح بإنشاء مخيم على أرضهم

بعد ذلك، أرسلوا أشخاصًا إلينا وطلبوا منا التنازل عن 1 دونم بدون مقابل ليتخذوها مزرعة لقائدهم العسكري، بجانب مزرعة المدعو “السراس”. رفضنا طلبهم، مما أثار غضبهم علينا، وقاموا باستدعائنا لما يسمى باللجنة المسلكية في الإسكان لمدة ثلاث سنوات متتالية، مع تهديدات وممارسة الترهيب النفسي، وتوعدونا بمصادرة أراضينا.

أصدر قاضيهم المدعو “جاسم العلي” القرار تلو الآخر ضدنا بمصادرة الأرض والمحلات. وبالفعل، قاموا بطرد المستأجرين من المحلات وجلبوا الآليات ليحفروا الأرض ويبدأوا ببناء الأساسات.”

ومع حدوث الزلزال، وبينما كنا منشغلين، جلبوا الآليات لتسوية الأرض وحولوها إلى مخيم بهدف الاستيلاء على الأرض بعلم رئيس المجلس آنذاك. ذهبنا إلى الأرض، فاعترضوا طريقنا بحوالي 50 عنصرًا بسلاحهم الكامل وبدأوا بضربنا.

طلب إخلاء الأرض بعد انتهاء المدة

قام رئيس المجلس في ذلك الوقت بإرسال نائبه والمحامي لنا، حيث كان موكلنا، في الساعة الثانية بعد منتصف الليل. طلبوا منا ألا نتحدث في الأمر وأن نقوم بكتابة عقد مع المجلس المحلي، بحيث يتحمل المجلس المحلي مسؤولية إخلاء المخيم. بعد تعهد رئيس المجلس لنا بأنهم سيكونون مسؤولين عن إخلاء المخيم، وأعطونا تعهدًا بذلك تم تثبيته في ديوان المجلس. مع العلم أن الأرض كانت مزروعة بالشعير.

وبعد انتهاء المدة المتفق عليها، جاء السيد محمد الحسن رئيسًا جديدًا للمجلس. في البداية، أكد لنا أن المجلس سيلتزم بالإخلاء في الوقت المحدد، لكن مع اقتراب الموعد، بدأ يماطل، قائلاً إن رئيس المجلس السابق لم يكن يجب أن يمنحنا التعهد، وأنه قد أخطأ بإعطائنا هذا الالتزام. برر السيد الحسن ذلك بأن المجلس لا يملك القوة لمواجهة الفصيل، وتمكن من التنصل من المسؤولية بالكامل.

قرار المحكمة المدنية بوقف كافة الأعمال على الأرض
بعد كل هذه التطورات، تقدمنا بشكوى أمام المحكمة العسكرية والمدنية ضد الفصيل الذي استولى على أرضنا ومحلاتنا بالقوة والتهديد. أصدرت المحكمة المدنية قرارًا أوليًا بوقف جميع الأعمال والأشغال في الأرض، ولكن لم يكن هناك أي التزام من قبلهم بهذا القرار، بل قاموا بتكثيف وتيرة العمل.

قرار المحكمة المدنية بوقف الأعمال في الأرض

أما المحكمة العسكرية فلم تتخذ أي إجراء يذكر، وظل الوضع على ما هو عليه. والآن تُسرق أرضنا وتُستولى عليها أمام أعيننا وأعين جميع المؤسسات والأهالي، دون أن يتحرك أحد لوقف هذا الظلم.

تواصلت وكالة الصحافة السورية مع رئيس المجلس الحالي لمدينة جنديرس، السيد محمد الحسن، الذي أكد لنا أنه تم إخلاء الخيام التي وضعت في المنطقة بعد الزلزال. كما أشار إلى وجود إشكالية تتعلق بالأرض، موضحًا أن الأمر متروك للقضاء للفصل فيه.

وبحسب رئيس المجلس، فإن الأرض تبلغ مساحتها 2400 سهم، منها 1200 سهم تعود لعائلة معمو و1200 سهم لعائلة الكنج. وقد ادعى معمو أنه استأجر الحصة التابعة لعائلة الكنج، ويجري المكتب القانوني في المجلس المحلي عملية التحقق من صحة هذه الادعاءات بعد تقديم جميع الأوراق اللازمة.

استمرار قرار وقف العمل

من جهة أخرى، تواصلت وكالة الصحافة السورية مع الناطق الرسمي باسم فيلق الشام، الذي يُعنى بالقضية بشكل رئيسي. حيث صرّح لنا الناطق الرسمي السيد “سيف الرعد” قائلاً: “نود أن نعلمكم أن القضية لا تزال مفتوحة في المحاكم والقضاء المدني، ويتم متابعتها قانونيًا بالشكل السليم، ولم يصدر فيها قرار نهائي بعد. علمًا أنه قد صدر سابقًا قرار من الشرطة العسكرية لصالحنا، ولكن بعد رفع الدعوى مرة أخرى في القضاء المدني، فإننا نستكمل الإجراءات القانونية.”

وأضاف سيف الرعد: “الأرض ليست ملكًا لأبناء معمو، وليس لديهم إثبات ملكية أو إيجار. إنما وضعوا يدهم عليها، وعند التحقق من أمرها في السجل العقاري، تبين أنها تعود لعائلة الكنج وتعتبر من الأراضي المجمدة. الأرض محاذية لأراضي عائلة معمو، وجميع الأراضي التابعة لعائلة معمو المثبتة قانونيًا هي بحوزتهم بالكامل ولا يوجد أي تعدي عليها. بل هم يرغبون في الاستيلاء على الأرض المحاذية لهم، والتي استولوا عليها سابقًا، وهذا الأمر يجب أن يُحل عبر المحاكم والقضاء، وليس بطرق أخرى. ونؤكد التزامنا بأي قرار قضائي.”

وعند سؤالنا عن سبب فرض مبلغ 9000 دولار من قبل مسؤول الفصيل على صاحب الأرض، قال سيف الرعد: “بالنسبة لقضية الـ9000 دولار، فلا علم لنا كقيادة بذلك، ولم تصدر عنا كفرض ضريبة أو ما شابه. فهذا غير موجود عندنا. يبدو أن ورثة معمو دفعوا هذا المبلغ كرشوة أو لتسهيل الأمور من جانبهم لأشخاص يساعدونهم في الاستيلاء على الأرض، أو ربما تعرضوا لخداع. نحن مستعدون لمتابعة القضية في حال تقديم شكوى منهم والإفصاح عن أسماء المتورطين.”

وأكد سيف الرعد: “الفصيل لا يتدخل في شؤون المدنيين، بل على العكس، يشجع عمل المؤسسات الحكومية ويدعمها. نحن نتابع القضية أصولًا في المحاكم المدنية والعسكرية بشكل قانوني. طالما أن القضية مفتوحة في القضاء المدني وتتم متابعتها بشكل أصولي دون تهرب، فإننا نعتبر أي عملية تشهير بالفصيل أو بالمؤسسات الحكومية تهربًا من المسؤولية.

وفي ختام هذه القضية، أكدت الورثة تقديم جميع الوثائق المطلوبة للمحكمة، بما في ذلك الوثيقة التي تثبت استئجار الأرض من عائلة الكنج. وأصدرت محكمة مدينة جنديرس قرارًا بوقف جميع الأعمال في الأرض إلى حين البت في القضية، ولكن وفقًا للصور التي حصلت عليها وكالة الصحافة السورية، لا يزال الطرف الآخر يواصل العمل في الأرض، مما يتعارض مع قرار المحكمة.

تظل الأقوال متناقضة، حيث يدعي كل طرف أنه على حق. بينما يسعى أصحاب الأراضي لاسترداد حقوقهم ويواجهون تعقيدات قانونية وإدارية، تستمر معاناة المدنيين في عموم منطقة عفرين بسبب التدخلات العسكرية واستيلاء الفصائل على الأراضي أو فرض الضرائب بحجة حماية المنطقة. هذا يعوق جهود المؤسسات المدنية، بدءًا من عمل المحاكم في تحصيل حقوق المدنيين وصولاً إلى دور المجالس المحلية في تقديم الخدمات اللازمة للأهالي. للأسف، لم تتمكن الجهات المحلية من تحقيق العدالة منذ السيطرة على عفرين وحتى الآن، مما يعكس حالة من العجز بسبب فوضى السلاح.

اقرأ أيضاً: إيقاف خدمات مشفى باب الهوى يهدد حياة آلاف المرضى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى