جبهة النصرة… التحدي الأكبر في الثورة السورية
جبهة النصرة… التحدي الأكبر في الثورة السورية
منذ انطلاق الثورة السورية، لم تقتصر التحديات على النظام وحلفائه فحسب، بل برزت قوى داخلية أسهمت في تقويض جهود الثوار وإضعاف المقاومة. واحدة من أخطر هذه القوى كانت جبهة النصرة، التي بدأت كفرع لتنظيم القاعدة في سوريا قبل أن تتخذ مسارًا خاصًا بها، تميز بالعنف والانقسامات الداخلية التي أضعفت الثورة من الداخل.
تأسست جبهة النصرة على يد أبو محمد الجولاني في أواخر عام 2011، حيث أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة العالمي. لم يكن هذا الولاء مجرد تواصل فكري، بل تجسّد في عمليات عسكرية وهجمات ضد الفصائل التي كانت تُعد معتدلة أو مدعومة من الغرب. كانت هذه الهجمات موجهة بشكل منهجي نحو تقويض أي فصيل قد يشكل عائقًا أمام طموحات الجبهة في إقامة إمارة إسلامية متطرفة.
منذ البداية، دخلت جبهة النصرة في مواجهات دموية مع العديد من فصائل الجيش السوري الحر، ما أدى إلى تفتيت القوة الثورية وإضعافها بشكل ملحوظ. الفصائل الكبرى مثل لواء شهداء سوريا، الفرقة 13، جبهة ثوار سوريا، حركة حزم، وجيش المجاهدين تعرضت لهجمات مدمرة من النصرة، انتهت بتفكيكها أو إضعافها بشكل كبير. بعض هذه الفصائل كانت مدعومة من الغرب وتمتلك قدرات عسكرية متطورة، إلا أن النصرة استهدفتها للسيطرة على مواردها واستغلالها في تحقيق أهدافها الخاصة. حتى حركة نور الدين زنكي، التي كانت حليفًا للنصرة في البداية، وجدت نفسها في مواجهة شرسة مع الجبهة بعد أن حاولت الأخيرة السيطرة على مواردها ومناطق نفوذها.
لعبت جبهة النصرة دورًا كارثيًا في مدينة حلب، التي كانت تعدّ واحدة من أهم معاقل المعارضة السورية. في وقت كانت المدينة تواجه حصارًا خانقًا من النظام السوري وحلفائه، دخلت النصرة في صراعات داخلية مع الفصائل الأخرى، مما أضعف المقاومة وأدى إلى تفكك صفوف الثوار. هذا الصراع الداخلي، جنبًا إلى جنب مع الحصار، أجبر الفصائل على الخروج من حلب، تاركة المدينة وسكانها تحت رحمة النظام.
بعد خروج الفصائل من حلب، اتجهت جبهة النصرة لتعزيز نفوذها في شمال سوريا، خصوصًا في منطقتي عفرين وأعزاز. من خلال تحالفاتها مع فصائل محلية مثل الجبهة الشامية وأحرار الشام، سعت النصرة للسيطرة على هذه المناطق الاستراتيجية. ولتعزيز نفوذها، قامت بإنشاء تجمع الشهباء كذراع لها في تلك المناطق، مستخدمةً التحالفات المحلية كوسيلة لتوسيع سيطرتها.
أحد أهم التحركات الاستراتيجية التي قامت بها جبهة النصرة كان السيطرة على معبر الحمران، الذي يعتبر شريانًا اقتصاديًا حيويًا في المنطقة. بعد أن تفاقمت الخلافات بين فصائل الشمال حول المعبر، استغلت النصرة الفرصة للسيطرة عليه وفرض رسوم على الشاحنات التجارية التي تمر عبره، ما عزز من قوتها الاقتصادية ومكّنها من دعم عملياتها العسكرية بشكل أكبر. هذا المعبر، الذي يشكل نقطة وصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني ومناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بات مصدرًا رئيسيًا للتمويل الذي استغلته النصرة لتعزيز موقفها في شمال سوريا.
طموحات أبو محمد الجولاني لم تكن سرًا. منذ البداية، سعى الجولاني لأن يكون الزعيم الأوحد للمناطق المحررة في سوريا. من خلال تحالفاته مع بعض الفصائل والسيطرة على المعابر والمناطق الاستراتيجية، كان حلمه إقامة “إمارة إسلامية” تمتد على كامل الشمال السوري. هذا الطموح جاء على حساب أهداف الثورة السورية وتطلعات الشعب، حيث استخدم الجولاني العنف والترهيب لتحقيق أهدافه الشخصية، دون اعتبار للمعاناة التي يعيشها السوريون.
جبهة النصرة تمثل تحديًا كبيرًا أمام الثورة السورية. من خلال مواجهاتها مع الفصائل الثورية والسيطرة على الموارد الحيوية، أسهمت في إضعاف الثورة وتشويه أهدافها. من الضروري أن تتحد القوى الثورية الحقيقية لمواجهة هذا التحدي والعمل على إعادة الثورة إلى مسارها الصحيح، بعيدًا عن التطرف والأجندات الخارجية التي لا تخدم مصلحة الشعب السوري.
اقرأ أيضاً: الدفاع المدني يوثق الهجمات على المرافق التعليمية منذ 2019