مقالات الرأي

هيئة تحرير الشام: ادعاءات التغيير واستمرار النهج الدكتاتوري

هيئة تحرير الشام: بين ادعاءات التغيير واستمرار النهج الدكتاتوري

تعود هيئة تحرير الشام إلى طبيعتها وسابق عهدها كما أخواتها ذوات المنشأ نفسه، كالأم، القاعدة، أو الأخت داعش، وأغلب التنظيمات ذات المرجعية الإسلامية إلى أسلوب القمع. بالتأكيد ليست وحدها من تقمع المواطنين، بل تشترك معها كل الفصائل الأخرى، ولكن الحديث عن الهيئة له شأن آخر، وذلك لادعائها دائماً أنها الأكثر تنظيماً بين جميع الفصائل، كما أنها تتمتع بمرجعية موحدة وحكومة كذلك وتبسط سيطرتها على مناطق نفوذها بشكل كامل على العكس من مناطق غصن الزيتون أو نبع السلام، فهناك المرجعيات مختلفة من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى أخرى، وربما على مستوى الأحياء في المدينة الواحدة.

المرجعية الموحدة والقرار الواحد الذي تمتلكه الهيئة في مناطق نفوذها يرتب عليها أعباء مختلفة عن المناطق الأخرى، كذلك ادعائها التغيير في السلوك والنهج وما رافقه من تسويق للجولاني ومن معه من لقاءات مع الغرب وتواصل مع المواطنين بشتى انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو المذهبية. ومحاولته وهيئته تسويق نفسه كمنقذ للشمال السوري عندما حاول السيطرة عليه في العام الماضي، وسيطر فعلياً على طنديرس وعفرين وحاول اقتحام اعزاز، إلا أن شراسة التصدي للهيئة والتدخل التركي لإنهاء مغامرة الجولاني أوقف ما حدث.

كل هذه الأشياء تطرح على الهيئة وعلى المراقبين سؤالاً مهماً: هل خرجت الجبهة من نهجها الدكتاتوري وتحولت إلى الديمقراطية، حتى وإن كانت شكلية؟ المراقب الحيادي لسلوك الجبهة وتعاملها مع المظاهرات في إدلب ظن ذلك في البداية، لكن ما حدث في الأيام الأخيرة من تعامل مع المتظاهرين وفض للاعتصامات باستخدام عناصر الهيئة للقوة المفرطة ضد المعتصمين، بإطلاق القنابل المسيلة للدموع واستخدام المدرعات والرصاص الحي يعيدنا إلى المربع الأول وهو عدم قدرة هذه الفصائل على الخروج من عباءة دكتاتوريتها وقرارها المركزي الذي يصدر عن مجلسها المركزي.

طبعاً رغم وجود خلافات ما بين متشدد ومتساهل فيهما، إلا أن أكثر المتساهلين لن يكون إلا متطرفاً في العلاقة مع المواطنين الذين يعتبرون رعية وليسوا شركاء، وهذه الرعية ليس عليها إلا القبول شاءت أم أبت. تحت هذا التفكير وضمن هذه الظروف لا يمكن أن تتغير هيئة تحرير الشام ولا يتغير نهجها. فمن يضع الحاكمية مرجعية لا يمكن أن يغير أسلوبه سوى شكلاً دون مضمون، ومن يريد التغيير سيضرب أساسيات مرجعيته وهذا ما لا تستطيعه الهيئة ولا قيادتها بكل أجنحتها.

وما جرى في إدلب من قمع يذكرنا بتعامل النظام مع المتظاهرين وأسلوبه القمعي، فالأسلوب واحد رغم اختلاف المرجعيات، وهذا ما يخشى منه في ما يجري لأن النظام سيحرك طابوره الخامس من الشبيحة المتواجدين في إدلب والشمال، والذين يلبسون لبوس الرمادية لكي يؤثروا على الناس بحجة أن ما يجري الآن في إدلب بعد ثلاثة عشر عاماً لا يختلف مع ما قام به النظام في البداية، وسيقولون لماذا خرج الناس من أجل الحرية طالما أن النتيجة النهائية واحدة، هي الحكم الدكتاتوري سواء كان بأشخاص من طائفة معينة وحزب معين أو بآخرين ربما يكون بينهم من هو ليس سوري ومن لا تعرف من هو، مشيرين إلى الجولاني. كل هذا سيحاول استثماره هؤلاء المشككين، وما الذي يمكن أن يجره هذا على إدلب هذا ما ستثبته الأيام. فالحرية في سوريا ثمنها أكبر من كل ما كان يعتقده السوريون، ويبدو أن عليهم الاستمرار بالدفع ليصلوا إليها رغم أن هذا الثمن باهظاً.

اقرأ أيضاً: تحطم طائرة الرئيس الإيراني: وردود أفعال دولية متنوعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى