مقالات الرأي

عشائر دير الزور بين قوى السيطرة

عشائر دير الزور بين قوى السيطرة

محافظة دير الزور في سوريا تشتهر بتنوع عشائري واسع، حيث تضم أهم العشائر العربية الأصيلة التي تتمتع بقيم الكرم والشجاعة العربية التقليدية. تُعَدُّ هذه العشائر محط اهتمام لأي سلطة حاكمة، إذ يُعَدُّ وقوفها مكسبًا لأي سلطة تسعى لتعزيز سلطتها وسط المناطق الريفية.

العشائر والبعث

عندما وصل حزب البعث إلى الحكم في سوريا، بادر إلى إقامة علاقات وثيقة مع شيوخ العشائر، حيث نجح في جني دعمهم. ومع ذلك، تعرضت تلك العلاقات للتأثر بشكل سلبي جراء إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي أدى إلى فقدان الشيوخ لأراضيهم وممتلكاتهم. وفي عهد حافظ الأسد، بدأت الأجهزة الأمنية في سوريا بمحاولة تقويض دور العشائر بطريقة تدريجية، من خلال سياسات الترهيب وإنشاء تحالفات عشائرية مضادة، مما أدى إلى تفكيك نسيج العشائر وزعزعة استقلاليتها التقليدية.

الأفرع الأمنية تغذي الانقسامات

أصبحت الأفرع الأمنية في سوريا تعمل على تأجيج النزاعات داخل العشائر، حيث تستهدف بشكل مباشر بيوت المشايخ لزرع بذور الانقسام، بحيث تحرض أفراد العائلة على الانقلاب على الشيخ بحجج مختلفة، مما يزيد من التوترات والتفرقة بين أفراد المجتمع.

سوء الأوضاع في عهد بشار

وفي عهد بشار الأسد، شهدت الأوضاع تدهورًا كبيرًا بفعل سياساته الاقتصادية السيئة، بالإضافة إلى موجات الجفاف التي ضربت المنطقة، مما أدى إلى انقلاب العشائر ضد نظام الأسد خلال انطلاق الثورة السورية، وتمكنت من تحرير معظم أراضي دير الزور من سيطرة النظام بنسبة كبيرة.

النظام السوري من دير الزور وتحريرها بنسبة ٩٠% العشائر والثورة السورية

في شهر مايو من عام 2011، حاول بشار الأسد إعادة العلاقات مع عشائر دير الزور في محاولة لتشكيل تحالف معهم. ومع ذلك، كانت روابط الدم والنخوة العشائرية والحرص على الثأر أقوى من محاولاته، خاصة بعد استخدامه العنف ضد المتظاهرين، الذين كانوا أبناء تلك العشائر. تحولت مظاهرات الثورة إلى مظاهرات جمعة العشائر، مما دفع أفراد العشائر إلى اللجوء إلى السلاح للدفاع عن أنفسهم، وبذلك تمكنوا في غضون أشهر قليلة من تحرير دير الزور والمشاركة في معارك في مناطق أخرى. أصبحت العشائر ملجأً للثوار المدافعين عن الثورة السورية، حيث فتحت بيوت المشايخ أبوابها للمنشقين عن نظام الأسد، وقدمت الدعم لهم. أحد الأمثلة البارزة هو انشقاق سفير سوريا في العراق نواف الفارس من قبيلة العقيدات، الذي أثر بشكل كبير على مسيرة العشائر وموقفها من الثورة السورية.

ذكر العم حميد المحمد البالغ من العمر ٧٠ عامًا لوكالة الصحافة السورية أن بيوت المشايخ في دير الزور قامت بتقديم الدعم والحماية للمنشقين عن نظام الأسد، بما في ذلك الشيخ ارهيمان كوان الجبارة الذي قدم مساعدة لمئات المنشقين. وأشار إلى أن انشقاق سفير سوريا في العراق نواف الفارس من قبيلة العقيدات كان له دور مهم في موقف العشائر من الثورة السورية.

العشائر وعلاقتها بالجيش الحر و النصرة وداعش

في بداية الثورة السورية، لم يكن العامل العشائري محوريًا بالنسبة لكتائب الجيش الحر وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية، حيث كان الولاء موجهًا نحو الثورة بشكل أساسي دون اعتبار للانتماءات العشائرية. لكن مع تطور الأحداث، بدأت الفصائل تأخذ طابعًا عشائريًا، وظهرت فصائل تنتمي إلى عشائر معينة دون أن يؤثر ذلك على قدرتها القتالية.

أصبحت العناصر العشائرية مهمة بشكل خاص بعد فقدان النظام السوري السيطرة على حقول النفط في دير الزور، حيث أصبح لكل مكون عشائري فصيل مسلح متفرع عنه، يدير ويشرف على آبار النفط ويوزع العائدات بحسب الآليات المحددة داخل العشيرة.

تزايد العنصر العشائري بشكل كبير بعد ظهور جبهة النصرة، التي أسست تحالفات عشائرية لتعزيز سيطرتها على المنطقة. ومن جانبه، استغل تنظيم الدولة الإسلامية وجهاء العشائر وأعطاهم مزايا وامتيازات للتعاون معهم، وأنشأ ما يعرف بديوان العشائر لتجنب مواجهتهم.

مع مرور الوقت، بدأت بعض العشائر تنشط ضد تنظيم الدولة، مثل عشيرة الشعيطات التي تصدت له بشدة، لكن تجنب العديد من العشائر المشاركة في الصراع ساهم في استمرار حكم التنظيم للمنطقة لمدة أربع سنوات.

العشائر بعد حكم التنظيم

بعد سيطرة تنظيم الدولة على دير الزور، تجاوزت العشائر الصراعات الداخلية وانقسمت إلى قسمين في المنطقة. في مناطق غرب الفرات، حيث سيطر النظام السوري والمليشيات الإيرانية عام ٢٠١٧، استغلت المليشيات الإيرانية شيوخ العشائر لصالحها، وجذبتهم بالامتيازات والمغريات المالية، بالإضافة إلى تغلغلها في بعض العشائر الهاشمية باسم “أهل البيت” للنبي محمد. ورغم سيطرتها، فإن السكان الأكثرية في هذه المناطق رفضوا الوجود الإيراني، وحدثت عمليات اغتيال ضد قيادات المليشيات الإيرانية وزوار الشيعة.

أما في الضفة الشرقية لنهر الفرات، التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية عام ٢٠١٩، فقد تم رعاية التقسيمات العشائرية، وسعى التحالف الدولي المؤيد لها إلى تهدئة التوترات بين قسد والعشائر. وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن العلاقة بقيت متوترة، خاصة بعد اعتقال قسد لقائد عسكري عشائري في سبتمبر ٢٠٢٣، مما أدى إلى ثورة عشائرية وشن هجماتها ضد قسد بقيادة ابراهيم الهفل، إلا أن الاحتقان لا يزال قائمًا بين قسد والعشائر، على الرغم من تقديم قسد وعودًا بمنح العشائر في المنطقة المزيد من الصلاحيات.. وبالرغم من سيطرة العشائر على مساحات كبيرة من دير الزور، فإن تحالفها مع النظام السوري والمليشيات الإيرانية أثار انقسامًا داخليًا، وأدى إلى تخلي العديد من الأفراد عن القتال. ورغم استمرار بعض الهجمات الصغيرة ضد قسد، فإن هناك احتقانًا بين الطرفين، مما يظل يهدد الاستقرار في المنطقة.

اقرأ أيضاً: قرارات جديدة وتقسيم للمنطقة الشرقية من قبل ميليشيا قسد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى