في ظل الحرب في سوريا وظلالها القاتمة على الأرض تبرز قصص الأمهات كشهادات حية على الألم والفقدان هؤلاء الأمهات اللواتي يُعتبرن رمزًا للحياة والعطاء يجدن أنفسهن فجأة في مواجهة واقع مروع حيث يُسلب منهن أغلى ما يملكن غياب دائم لا يشعر في مرارته الا الأم التي كانت تحتضن أبنائها تجد نفسها تحتضن ذكرياته وصوره والأمل الذي كان ينبض في قلبها يتحول إلى دعاء صامت وأمنية للقاء في عالم آخر
تُروى القصص عن أمهات فقدن أبناءهن في الحرب وكل قصة تحمل في طياتها حكاية من الصبر والتحدي هناك أمهات واجهن الخبر الأليم بقلوب مفعمة بالإيمان والرضا وأُخريات اخترن طريق المقاومة والنضال متحولات إلى صوت للمطالبة بالعدالة والسلام
في كل ركن من أركان سوريا تُسمع حكايات الأمهات اللواتي تحملن عبء الحرب على أكتافهن من كل المدن والمناطق السورية من جبل الزاوية إلى حلب وحمص ومن دمشق إلى درعا تتشابك قصص الأمهات مع تاريخ الأرض وتصبح جزءًا لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي والثقافي
“خنساء جبل الزاوية “
أم داود من قرية سرجه في جبل الزاوية لم تتأخر للحظة واحدة عن المشاركة في الثورة السورية منذ الانطلاقة الأولى للثورة شاركت في المظاهرات ودفعت بجميع أولادها للمشاركة في الثورة
فمعاناتها بدأت من زمن حافظ الأسد الذي قتل زوجها في الثمانينات وفي زمن الابن بشار فقدت خمسة من أبنائها داود وعلي وعباس وزكريا وأبو يحيى
ورغم اعتقالها في أحد الأفرع الأمنية وتهديدهم بقتل أبنائها الا انها لا تتوقف عن قول كل أبنائي في سبيل الله وسبيل الثورة
تتلقى خبر استشهاد أولادها تباعاً ولكل ابن من أبنائها قصة من قصص الشجاعة والبطولة بكل صبر وقوة وإيمان تتلقى خبر استشهادهم وتحمد الله دائماً أن الله اختارهم وتقف فوق رأس أبنائها الشهداء دون بكاء بل أنها أبكت كل من عرفها وسمع بقصتها
“”علياء حسين الملا علي أم قتيبة””
من مدينة موحسن وسكان مدينة دير الزور تقول أم قتيبة: أولادي كانوا يملؤون عليّ حياتي لكن الله اصطفاهم عسى أن يقبلهم من الشهداء سجدت شكراً لله على هذه المكرمة ولقبني أهلي بالخنساء وأنا ما زلت أسير على طريقهم وسأستمر بالمطالبة بدمائهم وحقوقهم حتى آخر رمق من عمري وسيتولى من بعدي بناتي وأحفادي جيلاً بعد جيل حتى بلوغ النصر عوّضني ربي بخمسة أطفال أسميتهم على أسماء أولادي الشهداء باستثناء بشار لم أسمِّ على اسمه كون بشار الأسد سبب مأساتنا أحفادي يعيشون معي في أورفا ويعوضوني عن الفقد قائلة للدول التي تطبّع مع الأسد بالتأكيد سيأتيهم يوم تثور عليهم شعوبهم ويشربون من الكأس الذي شرّبنا منه الأسد
تقول علياء وهي مثال للمرأة القوية الصابرة، فقدانها لابنها الأول زهير مشعان الذي كان طالب سنة أولى في معهد الحاسوب في أثناء مظاهرة يحضرها وفد من الجامعة العربية حيث أطلق الأمن الرصاص على المتظاهرين في 10/01/2012 وبعد اقتحام ميليشيا أسد مدينة دير الزور ونزوحهم إلى الريف استُشهد ابنها الثاني عبيدة في 13/10/2012 برصاصة قناص خلال عمله بإسعاف جريح
بعدها بعشرة أيام استُشهد ابنها تشرين وهو متزوج له 7 بنات وطفل، برصاصة قناص وهو داخل منزله، بينما ابنها عقبة اعتقله النظام بعد استشهاد زهير بشهرين وظلّ في عداد المفقودين لغاية ظهور صورته بين صور قيصر المسربة في عيد الثورة للعام 2015 نزلت صورته وتأكدنا من استشهاده تحت التعذيب
بينما اختفى ابنها بشار 19 عام إختفاءً قسرياً بعد اقتحام تنظيم داعش لريف دير الزور في نيسان 2014 وتضيف علياء رغم صغر سنّه إلا أنّي زوجته ليعوضني عن إخوته الشهداء فكانت زوجته حاملاً بشهرها السابع وأنجبت طفلاً فيما اضطررنا للجوء إلى أورفا التركية بعد تهديدات داعش باعتقال بناتي في ذلك الوقت
“خنساء تلبيسة “
تتحدث أم عماد وهي تحاول جاهدة إخفاء الدموع عنا لكنها فشلت عندما بدأت في الحديث عن ما تبقى من أولادها وزوجها، فتقول إنه منذ ثلاثة أشهر كانوا قد ذهبوا لأداء صلاة الظهر أبو عماد وعماد وأحمد وعند خروجهم من المسجد المقابل لمنزلهم سقطت قذيفة هاون تسببت بمقتلهم على الفور
وقالت لم أكن أعلم ما حدث خرجت مسرعة لأجدهم أمام باب المنزل وقد قتلوا جميعاً، لم يعد هنالك من يصبرني على فقدانهم.. عماد مواليد 1983 وهو متزوج ولديه 5 أطفال إحدى بناته تعاني من انتفاخ في البطن وهي بحاجة لدواء بشكل شهري بالإضافة لحاجتها لإجراء عملية لا نستطيع إجراءها بسبب الأوضاع الراهنة وأحمد مواليد 1991 وهو أيضا متزوج ولديه طفلتان وأبو عماد مواليد 1966 وهو رب العائلة
وواصلت بقينا لوحدنا هي أيام وتمضي ذلك قبل أن تختنق الكلمات بفم أم عماد ولم تعد تستطع النطق بكلمة واحدة بعدما تفجرت عيونها بدموع كانت قد حاولت كتيراً إخفائها أثناء لقائنا معها
كثيرة هي العائلات التي فقدت أبنائها بسبب الحرب الدائرة في سوريا ولكن أن تفقد عائلة أبو عماد عثمان ستة من أفرادها بسبب القذائف أو بسبب القناصة فهو أمر صعب جداً على أن يتحمله قلب الأم
“خنساء إدلب ” هاجر أم محمد
مع الأيام الأولى للثورة فقدت ثلاثة من أبنائي نتيجة سقوط قذيفة على إحدى المظاهرات محمد وأحمد وخالد
أبنائي الثلاثة لم أتوقع في من الأيام أن يفارقونا في لحظة واحدة فالفرح باستشهادهم سبق الفرح بزفافهم
محمد طالب بكلوريا وأحمد طالب في الصف الحادي عشر وخالد يدرس الثانوية الزراعية
لحظات الألم والفراق رافقها لحظات من الإصرار من زوجي على إكمال طريق النضال والثورة
وبعد أربعة سنوات استشهد في إحدى معارك مدينة أريحا
قالت أم محمد أعيش الآن مع أبن بنتي في مخيم بعد وفاة أمه وجميع أخوته في الزلزال
لا أملك الا الصبر لأنني مؤمنة بقدر الله وحالي يشبه الكثير من حال الأمهات السوريات التي فقدن أزواجهم وأولادهم أما في الحرب أو في الزلزال
ففي سوريا كل أم وزوجة في ظل الحرب هي رمزاً للكفاح والنضال
ومدرسة في الصبر والأخلاق الإنسانية وقصص من قصص الخنساء لا تنتهي.
اقرأ أيضاً: انفجار يستهدف قيادياً في ميليشيا حزب الله بالحسكة