مقالات الرأي

انقسام المجتمع المدني السوري بين الأحقية السياسية وضرورة تجنب الممارسة السياسية

محمد حاج حمود – وكالة الصحافة السورية

اختتم في العاصمة الفرنسية باريس فعاليات مؤتمر “مدنية” الذي رفع شعار “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري” بحضور 180 سوريًا وسورية من المجتمع المدني السوري.

مؤتمر “مدنية”

وجاء في البيان الختامي للمؤتمر، أن اجتماع هذا العدد من ممثلي وممثلات منظمات المجتمع المدني السوري
“في ظل الضغوط التي تمارسها قوى الأمر الواقع السياسية والعسكرية، المحلية والدولية منها،
والتحديات التي تواجه الفضاء المدني السوري من أجل زجه في مساحات لا تتناسب مع طبيعته ورؤيته ودوره”.

ولفت البيان إلى أن “الاحقية السياسية” التي عقد المؤتمر تحت عنوانها لا تعني فرض “مدنية” نفسها محل أي جسم سياسي سوري،
يعمل في إطار القرار الأممي 2245، إنما لرفد جهود هذه الأجسام السياسية.

ويأتي اجتماع إطلاق المبادرة قبل أيام من انعقاد مؤتمر بروكسل ل “دعم مستقبل سورية والمنطقة”،
والمزمع انعقاده في الخامس والسادس عشر من الشهر الجاري، وسيخصص المؤتمر يومه الأول لطروحات ممثلين عن المجتمع المدني السوري.
ليثير توقيت إطلاق مبادرة مدنية سؤال مفاده. هل استبقت “مدنية” مؤتمرها التأسيسي لتحظى بتمثل قوي في بروكسل؟

وتعرف “مدنية” نفسها على أنها “جهة مستقلة عن أي نفوذ سياسي وأجنبي، وهدفها حماية الفضاء المدني السوري وتعزيز فاعليته في منصات صنع القرار المختلفة”.

وراهن البيان على قدرة المجتمع المدني السوري في إنتاج رؤى واستراتيجيات ومقاربات عمل وبرامج جديدة،
مشيرًا إلى البيئة الديمقراطية التي وضع فيها المشاركون الخطوط التأسيسية لمدنية.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ان مبادرة مدنية وفي مراحل سابقة لمؤتمرها الأخير مؤسسة وفق هيكلية إدارية وتنظيمية،
ومرخصة كشركة غير ربحية محدودة بالضمان، ومدرجة في دور الشركات في إنكلترا وويلز تحت اسم شبكة المجتمع المدني وبرقم 14017708،
ويرأس مجلس الإدارة رجل الأعمال السوري أيمن اصفري، وعضوية 25 شخصًا.

وبحسب ما ذكرته “المبادرة” خلال ورشات عمل أطلقتها في مناطق سيطرة مختلفة في سورية،
فإن حوكمتها المدنية قائمة على مجلس الإدارة المفوض بالسلطة الكاملة من مجلس “أمناء”،
إلا أن مجلس الإدارة المفوض سيتنازل عن دوره تدريجيًا لمجلس منتخب، ويرتبط هذا الطرح مع نمو شبكة أعضاء المبادرة. 

تبريرات التأسيس

وتبرر “مدنية” ضرورات تأسيسها بعوامل عدة، أبرزها حالة الجمود في العملية السياسية، وعدم وجود منصة تمثل السوريين،
في ظل تصاعد موجات التطبيع مع نظام الأسد، بالإضافة لرؤيتها للمعارضة السورية ك “كيانات سياسية مختطفة” من قبل القوى الإقليمية،
لتشكل المبادرة طروحات مدنية وسياسية مشتركة لخصتها في سياق ما عبرت عنه بالفاعلية السياسية،
من خلال دورها القيادي في صياغة المستقبل السياسي السوري المترافق مع التعافي وإعادة الإعمار والمساءلة والعدالة.

الجدير بالذكر، أن مدنية خلال ورشات عمل عقدت في الداخل السوري خلال العام الجاري لفتت لدورها في دعم التحالفات البرامجية التي يقودها السوريون بشكل مباشر من الحكومة الامريكية،
مشيرة لمنح مشاريع أعلنت عنها الحكومة الامريكية نهاية العام الماضي،
وهذا ما يثير التكهنات حول طبيعة العلاقة بين عراب “مدنية” رجل الاعمال أيمن أصفري،
والحكومة الأمريكية من جهة، ووجود دور أمريكي داعم ضمنيًا لتأسيس تحالف مدني يطالب بالأحقية السياسية ويتزعمه الأصفري من جهة أخرى.

مؤتمر مدنية
مؤتمر مدنية

بالتوازي مع ذلك، لاقت “مدنية” ردود أفعال متباينة في أوساط النشطاء السوريين بين مرحب يرى ان وجود تحالف لمنظمات المجتمع المدني السوري بهذا الحجم وفي هذا التوقيت أمر إيجابي من شانه أن يفعل الدور السياسي للمجتمع المدني السوري،
ويدعم في الوقت نفسه جهود المنظمات السورية في مشاريعها المستقبلية، وبين مشكك في المبادرة يرى أنها محاولة تحزب سياسي يقودها رجل أعمال له طموحات سياسية،
واستثمارية متعلقة بمرحلة إعادة الإعمار. 

شاهد أيضاً: من هو أيمن أصفري , رجل الأعمال السوري ؟

وينتقد المشككون المبادرة من منطلق الدور السلبي الذي أدته تجارب تحالفات وشبكات عديدة، مثلت المجتمع المدني السوري في مسارات متنوعة لعملية الحل السياسي في سورية،
ويدللون بتجربتين أثبتتا فشل المجتمع المدني السوري. من ناحية شمولية التمثيل للمؤسسات والكيانات المنضوية ضمن هذه التحالفات.

 ومن ناحية أخرى، قيّمت حجم الإنجازات التي حققتها في هذه المسارات، والتي غلبت على إيجابياتها الكثير من السلبيات.

بل ويزيدون على ذلك، بأن بعض هذه التجارب لعبت دورًا في انقسام المجتمع المدني السوري، وأثارت مرات عدة حالة من اللغط وتبادل الاتهامات بين فاعلين رئيسيين في هذا المجتمع.

رسالة “مدنية”

التجربة الرئيسية الأولى التي يقيسون عليها توقعاتهم من “مدنية”،
هي رسالة (المجتمع المدني السوري) التي قدمها 36 ممثلاً لمنظمات المجتمع المدني السوري للاجتماع الوزاري لمؤتمر بروكسل2 في أيار (مارس) 2018،
وما أثارته من حالة شق الصف في جسم المجتمع المدني السوري، بدأ من ترويستها التي منحت المنظمات المشاركة بالمؤتمر
أحقية تمثيل المجتمع المدني السوري بالكامل باعتبارها أضافت (أل) التعريف على مجتمع مدني سوري،
مرورًا بما احتوته من مضامين لا تلبي تطلعات السوريين ولا حتى مجتمعهم المدني،
فالرسالة التي لم تحمل أي إشارة تدين جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد،
تبنّت مطالبات النظام السياسية بحسب ما ورد فيها “من الضروري إعادة النظر في العقوبات التي تؤثر سلبًا على قطاعات الصحة والتعليم وسبل المعيشة”.

الرسالة التي تحولت لبيان رسمي إثر اعتراف الاتحاد الأوروبي بها ك “بيان” لا رسالة،
ونشرها على موقعه الإلكتروني حينها، قوبلت ببيان آخر وقعته مجموعة تجاوز عددها 30 منظمة اعتبرت ان بيان المشاركين بمؤتمر بروكسل 2 لا يمثلها،
ولا يمكن للجهات الحاضرة التحدث باسم المجتمع المدني السوري بشكل كامل.

شاهد أيضاً: جسم سياسي جديد يطلقه رجل الأعمال أيمن الأصفري : هل يكون بديل للائتلاف؟

اللافت في الامر، أن بعض المنظمات الموقعة على بيان الإدانة،
منضوية في تحالفات ومظلات مجتمع مدني وقع ممثلوها المدعوون لبروكسل على رسالة (المجتمع المدني السوري)،
الامر الذي جعل من إعادة النظر في أحقية تمثيل التحالفات المدنية للمؤسسات المنضوية في إطارها أمرًا في غاية الأهمية،
وهو ما يجب على مبادرة “مدنية” أخذه بعين الاعتبار، كونها اعتبرت الاحقية السياسية من أبرز أولوياتها كتحالف،
وكمجتمع مدني سوري على حدٍ سواء،
ليرى المنتقدون للمبادرة أنه من باب أولى البحث في أحقية تمثيل “مدنية” بمنظماتها 150 للمجتمع المدني السوري قبل البحث في أحقية سياسية لهذا المجتمع، بينما يتحدث قسم آخر من المشككين عن نوايا “مدنية”،
ومن يقف وراءها،

ليست التجربة الاولى

وعن دور المجتمع المدني وتموضعاته بشكل عام، ويشير هؤلاء إلى أن المجتمع المدني في التجارب الناضجة والناجحة في دول عدة،
لا يمارس العمل السياسي ولا ينخرط ضمن أي سياق سياسي، بل تفرض أدبيات المجتمع المدني عليه أن يتوسط المشهد بين المجتمع وتطلعاته،
والقوى السياسية وأصحاب القرار في المجتمع ذاته، ومن هذا المنطلق يبنى تمويل العمل المدني على الحيادية والعمومية،
وعلى شرط عدم الانحياز لأي عمل أو ممارسة سياسية، ليترك هذا الأمر للأحزاب والحركات المصنفة كجهات سياسية لا مدنية.

أما التجربة الثانية التي يبني عليها معارضو “مدنية”، فهي دور المجتمع المدني –
بشقه المحسوب على المعارضة السورية- وتمثيله في اللجنة الدستورية،
ومواقفه التي غلب عليها الحياد من القضايا المفصلية التي تناقشها اللجنة،
والتي تشير في مواضع كثيرة منها لانتهاكات النظام وجرائمه بحق السوريين، والتي تجنبها وفد المجتمع المدني.

 ويُبرر الدور الحيادي للمجتمع المدني -المعارض- بحجم تماهي ممثليه مع القوالب النمطية الجاهزة عن دور المجتمع المدني،
وديناميكيات التعاملات معه. الأمر الذي خلف نوعًا من الفراغ السياسي في موقف المجتمع المدني، والذي ملئته في مناسبات عدة “الأمم المتحدة”،
ومن هذا المنطلق أيضًا يبني فاعلون مدنيون سوريون مواقفهم من “مدنية” المطالبة ب “الاحقية السياسية”،
ويعطي هذا القسم من نقاد “مدنية” الأولوية لترسيخ وفهم واقع وخصوصية المجتمع المدني السوري،
فبعد عقدٍ من الزمن على نشأته وما قام به من أدوار على الصعيد المدني المجتمعي لا بد له من رسم ملامح خاصة به،
وإعادة ترتيب أولوياته واستراتيجياته
بناءً على فرادة تجربته، وإنجاز هذا النوع من الفلسفة الخاصة بالمجتمع المدني السوري وتصديرها أولوية سابقة على المطالبات ب “الأحقية السياسية”.

ومما لا شك فيه ان المجتمع المدني السوري، الذي عانى من الإقصاء والتهميش في ظل شمولية البعث وتفرده،
وبنى إطاره العام بوضعه وصورته الحاليين خلال عقود الثورة، ومع تأثيرات ديناميات الصراع والانقسامات الجيوسياسية على بنيويته.

يسعى اليوم من خلال مبادرات واجتهادات لا يمكن الجزم باستقلاليتها التامة لخوض تجربة
جديدة تشكل مزيجًا من العمل السياسي والمدني المشترك، والتي لا يمكن اليوم إطلاق الاحكام عليها أو تقييمها. 

شاهد أيضاً: أندريه سكاف يتحدث عن حبه للدولة السورية ورئيسها ويفرض أجرًا مضاعفًا للظهور على شاشة تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى