هل الإنترنت حق أم رفاهية؟ أزمة خدمات الإنترنت في الشمال السوري
هل الإنترنت حق أم رفاهية؟ أزمة خدمات الإنترنت في الشمال السوري تحت المجهر
وسط كل التحديات الجسيمة التي تواجه الشمال السوري، يبرز احتكار الإنترنت كأحد أبرز القضايا السياسية والاقتصادية مما يتطلب تخدلاً فورياً حاسماً، ومع ازدياد الضغوط الاقتصادية واحتكار شركات الاتصال في الشمال السوري للقطاع، يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة أزمة حقيقية خانقة تهدد حياتهم اليومية وتؤثر على جميع جوانب حياتهم، بدءاً من التعليم وصولاً إلى فرص العمل.
السياق السياسي للمشكلة
تتزايد حدة المشكلة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي تمر بها البلاد، إذ إن الاحتكار الذي تمارسه شركة اتصالات شمالي سوريا لا يمكن فصله عن الأوضاع العامة التي تعيشها البلاد منذ سنوات، فقد تحولت هذه الشركة إلى رمز للاستغلال، حيث تفرض أسعارًا مرتفعة بشكل غير مبرر، مما يعرقل تطور المجتمع ويدفعه نحو المزيد من الأزمات.
وبعد مرور سنوات على الثورة، لا تزال الحكومة السورية للإنقاذ، عبر مؤسساتها المختلفة، تتحكم في مقدرات الشعب السوري، غير آبهة بمطالب المواطنين أو احتياجاتهم، هذا الوضع يذكرنا بالاحتكارات السابقة التي كانت تحت سيطرة عائلة مخلوف، حيث كانت تسيطر على قطاعات حيوية مثل الاتصالات، مما أضر بمصالح المواطنين وأدى إلى تفشي الفساد.
بيان الشركات التركية: محاولة للإنقاذ
في ظل هذا السياق الصعب، أصدرت الشركات التركية المميزة لخدمات الإنترنت بيانًا يسلط الضوء على معاناة المواطنين في الشمال السوري، هذا البيان لم يكن مجرد احتجاج، بل جاء ليعبر عن واقع مؤلم يكشف عن أبعاد الاحتكار وأثره المباشر على الحياة اليومية، حيث اعتذرت الشركات التركية عن ضعف جودة الإنترنت، موضحة أن هذا الوضع ناتج عن السياسات الاحتكارية لشركة اتصالات سورية في الشمال السوري، التي تستغل الظروف الصعبة التي يواجهها المواطنون.
فقد أشار البيان إلى أن شركة اتصالات شمالي سورية تبيع الإنترنت بأسعار مبالغ فيها، مما يزيد من معاناة المواطنين، فقد تم شراء الإنترنت بسعر 0.62 دولار لكل دولار، بينما يتم بيعه بسعر 2.25 دولار، هذا الفرق الشاسع في الأسعار يعكس سياسة استغلال واضحة تهدف إلى تحقيق أرباح ضخمة على حساب المواطنين.
أبعاد الاحتكار وتأثيره على المجتمع
لا يمكننا النظر إلى الاحتكار على أنه مجرد أزمة خدمات، بل هو تعبير عن خلل سياسي واقتصادي يتطلب تدخلًا عاجلاً، فمع انقطاع الإنترنت وضعف جودته، تتعرض فرص التعليم والعمل للخطر، يواجه الطلاب صعوبة في الوصول إلى مصادر المعرفة، بينما يعاني العاملون من فقدان فرص العمل نتيجة للضعف في جودة الخدمة.
إن الاحتكار لا يؤثر فقط على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى الأبعاد الاجتماعية والنفسية، يشعر المواطنون بالعزلة، حيث يصبح من الصعب عليهم التواصل مع العالم الخارجي ومتابعة الأخبار، هذا الأمر يؤجج مشاعر الإحباط واليأس بين الأجيال الشابة، التي تشكل مستقبل البلاد.
الحلول السياسية المطلوبة
إن الحلول لهذه الأزمة تتطلب رؤية سياسية واضحة تتجاوز الحلول التقليدية، أولاً، يجب على حكومة الإنقاذ أن تعيد تقييم سياساتها فيما يتعلق بقطاع الاتصالات، وأن تعمل على تقديم دعم فعلي للشركات التي تسعى لتقديم خدمات أفضل بأسعار معقولة.
ثانيًا، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتدخل لدعم هذا التحول، فالشراكات مع الشركات التركية يمكن أن تساهم في تحسين جودة الخدمة، شريطة وجود بيئة سياسية مناسبة تشجع على الاستثمار والتطوير.
ثالثًا، يجب أن يتم إنشاء منصة تواصل بين الحكومة والشركات والمواطنين، هذه المنصة يمكن أن تكون وسيلة فعالة لجمع الآراء والمقترحات، مما يسهل تحسين جودة الخدمات، إن إشراك المواطنين في عملية صنع القرار يعزز من ثقتهم في النظام ويمنحهم شعورًا بالمشاركة.
دعوة للتضامن والضغط الشعبي
في هذه الأوقات الحرجة، تتطلب الأزمة الحالية تضامنًا قويًا من جميع الأطراف المعنية، سواء كانت الحكومة أو الشركات أو المواطنين، يجب أن نضع جميعًا أيدينا في يد واحدة، لتحقيق التغيير المنشود، إن الضغط الشعبي من قبل المواطنين على الشركات الحكومية والخاصة لتحقيق تغييرات فعلية يمكن أن يساهم في تسريع عملية الإصلاح.
إن التواصل المستمر بين المواطنين والشركات، من خلال الفعاليات والاحتجاجات السلمية، يمكن أن يكون له أثر كبير في تغيير الوضع القائم.
في النهاية، إن احتكار الإنترنت في الشمال السوري ليس مجرد أزمة خدمات، بل هو نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية معقدة، وإذا كنا نرغب في تحسين الوضع الحالي، يجب أن نتعاون جميعًا – الشركات، الحكومة، والمواطنون، إن إعادة بناء الثقة بين جميع الأطراف المعنية يمثل الخطوة الأولى نحو تقديم خدمات إنترنت أفضل وبأسعار عادلة.
إن التحدي الذي نواجهه اليوم يتطلب التزامًا جماعيًا من الجميع، فإذا كنا نرغب في تحسين جودة الحياة في الشمال السوري، يجب علينا جميعًا المشاركة في هذا الجهد، فلنلتف جميعًا من أجل مستقبل أفضل يضمن حقوق المواطنين ويعزز من مقدرات الوطن، بعيدًا عن الاحتكار والفساد.
اقرأ أيضاً: تحويل النهر الأبيض في إدلب إلى “أسود” بفعل مخلّفات المنشآت