هجوم المعارضة السورية وتداعياته على المشهد الإقليمي
هجوم المعارضة السورية وتداعياته على المشهد الإقليمي
في تحول مفاجئ للأحداث في سوريا، استطاعت فصائل المعارضة المسلحة شن هجوم واسع على مواقع تابعة للنظام السوري، ما أدى إلى تقدم سريع في مناطق استراتيجية في قلب مدينة حلب وريفي إدلب وحماة. خلال أقل من 48 ساعة، سيطرت الفصائل على مناطق كانت تُعتبر حيوية للنظام السوري، في أول هجوم من نوعه منذ خمس سنوات. يأتي هذا الهجوم في وقت حساس، حيث تزامن مع تصاعد الضغوط العسكرية والسياسية على النظام، مما يثير تساؤلات عدة حول دوافعه والظروف التي ساهمت في تنفيذه.
تضاف إلى هذه العوامل القوة المتزايدة للفصائل المعارضة التي، وعلى الرغم من الانقسامات التي شهدتها، استطاعت التنسيق والتوحد بشكل غير مسبوق في الهجوم الأخير. حيث تركزت العمليات في المناطق التي كان الجيش السوري يعتمد عليها بشكل كبير، مما أسفر عن تقدم فصائل المعارضة في مناطق كانت تحت سيطرة النظام، بما في ذلك الطرق الحيوية التي تربط دمشق بحلب.
الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، دارين خليفة، أكدت أن تلك الفصائل كانت قد بدأت التحضير للهجوم منذ أشهر، وهو ما يعكس الاستعدادات التي سبقت الهجوم الكبير. ووصفت خليفة الهجوم بأنه “ردع العدوان”، مشيرة إلى أنه جاء في سياق تصعيد عسكري مستمر من قبل النظام السوري، الذي كثف من ضرباته على مناطق المعارضة في الأشهر الأخيرة. وقد أعلنت الفصائل المعارضة عن الهجوم في وقت حرج، حيث تزامن مع سريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل وحزب الله، وهو ما يضفي بعدًا إقليميًا على التصعيد في سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم جاء أيضًا في وقت شهد فيه النزاع السوري تغييرات جيوسياسية مهمة، إذ يشهد الساحة السورية تفاعلًا معقدًا من قوى دولية وإقليمية مثل إيران وروسيا وتركيا. فمن جهة، دعمت روسيا بشكل كبير النظام السوري عبر تدخلها العسكري المباشر منذ عام 2015، مما ساعد في استعادة العديد من المناطق التي كانت قد خرجت عن سيطرة النظام. ومن جهة أخرى، تُعتبر إيران حليفًا أساسيًا آخر للأسد، حيث قدمت الدعم العسكري والمالي للقوات السورية خلال السنوات الماضية. أما تركيا، فكانت تدعم فصائل المعارضة التي تقاتل ضد النظام السوري، وكانت على مدار السنوات الماضية حاضرة في معظم العمليات العسكرية في الشمال السوري.
على الرغم من التهديدات التي أطلقها حلفاء النظام مثل روسيا وإيران، فإن الفصائل المعارضة تمكنت من تحقيق مكاسب ميدانية كبيرة. وقد أعلن الجيش السوري دخول فصائل المعارضة إلى أجزاء واسعة من مدينة حلب، مما أسفر عن مقتل العشرات من عناصره في اشتباكات امتدت على جبهة واسعة. وأسفرت المعارك عن مقتل 311 شخصًا، غالبيتهم من المقاتلين، بالإضافة إلى عدد من المدنيين الذين لقوا حتفهم جراء القصف الجوي الروسي الذي دعم قوات النظام في المعركة.
من ناحية أخرى، يعكس التقدم السريع للفصائل المعارضة الوضع الهش للنظام السوري في ظل انشغال حلفائه بأزمات أخرى. فقد كانت روسيا مشغولة في حربها في أوكرانيا، ما أدى إلى تقليص وجودها العسكري في سوريا. في المقابل، كان حزب الله أيضًا في مواجهة مع إسرائيل على جبهة لبنان، ما أثر على قدرته على تقديم الدعم الكامل للنظام السوري. وبذلك، أصبح النظام السوري أكثر اعتمادًا على الضربات الجوية الروسية التي لم تعد تُحقق النتائج نفسها كما في السابق.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد كانت تركيا تراقب عن كثب التطورات في شمال سوريا، حيث تواصل دعمها للفصائل المعارضة. وبالرغم من مساعي روسيا وإيران للضغط على تركيا من أجل تخفيف التصعيد في المنطقة، فإن موقف أنقرة ظل حاسمًا في دعم الفصائل التي تقاتل ضد النظام السوري. وقد أبدت تركيا في تصريحاتها الرسمية رفضها للهجوم على إدلب، حيث تعتبر المدينة معقلًا للفصائل المعارضة في الشمال الغربي.
الضغوط السياسية والعسكرية على النظام السوري في هذا الوقت قد تساهم في تغيير موازين القوى في المنطقة. فإذا تمكنت فصائل المعارضة من الحفاظ على مكاسبها العسكرية، فإن ذلك سيضع النظام السوري في موقف صعب، وقد يدفعه إلى التفاوض مع الأطراف الأخرى من موقع ضعيف. وتُعد هذه الهزيمة الميدانية الأوسع للنظام السوري منذ سنوات بمثابة اختبار حقيقي لقدرته على استعادة ما فقده، خاصة في ظل وجود قوى دولية لا تسعى بالضرورة إلى تعزيز موقفه.
وفي النهاية، يبقى تساؤل كبير حول مستقبل الصراع في سوريا في ظل التطورات الحالية. قد تؤدي الضغوط العسكرية المتزايدة على النظام السوري إلى تغييرات جذرية في توازن القوى، وقد يفتح الباب أمام تسويات سياسية غير متوقعة في المستقبل القريب.
اقرأ أيضاً: فصائل المعارضة السورية تسيطر على مطار حلب الدولي