لقد وصلت الأمور في مجتمعاتنا إلى الوضعيّة الساخرة من تسطيحٍ للقادة المفكرين وغيرهم وتعظيمٍ للتافهين، فنظام التفاهة العالمي الذي تحدّث عنه الفيلسوف الكندي “آلان دونو”، يكادُ يصل الصغار والكبار والمسنين وحتّى دار العجزة إن حدّ التعبير، وفي المعنى العام يعتبر نظام التفاهة من الأجنداتِ السياسيّة المتعلقة برفد السوق العالمية الرأسماليّة بالتافهين وتمييع القضايا الحقّة لدى الشعوب المناضلة حول العالم، أما في المعنى الخاص فنظام التفاهة حسب دونو هو نظامٌ اجتماعي تسيطرُ فيه طبقة الأشخاص التافهين على معظم مناحي الحياة وبموجب ذلك يتم مكافأة الرداءة والوضاعة والتفاهة بدلاً عن الجدّية والمثابرة والجودة في العمل.
كيف أثّر التافهون على المجتمعات ؟
لقد عمدت الحكومات والسلطات على أن تغير النمطيّة العالمية، حتى تجعل من الإنسان عبارة عن فراغ عام لا يُطالب بأدنى حقوقهِ ولا يعارض ولا يثابر بل على العكس تماماً، يصبحُ شغله الشاغل الضحك والتسطيح العام لكل قضيّة عظيمة في المجتمع، والأمثلةُ كثيرة وقد انعكست على كافة فئات المجتمع العربي عموماً وقد وصلت إلى أكثر من 59% بحسب الشرق الأوسط، ولو أخذنا المكيال ووضعناه على الشمال السوري لوجدنا أنّ الناس الذين تم تسطيح عقولهم من خلال أدلجت القيّم الساميّة لديهم كُثر، ويعود ذلك لسبب الوصول الكبير لروّاد مواقع التواصل الاجتماعي التافهين الذين أصبح شغلهم الشاغل الكوميديا الفارغة التي لا تملك رسالة واضحة تفيد بها الناس في هذه البقعة الجغرافيّة المعدومة نسبياً، وقد ساعد هؤلاء التافهين سلطات الواقع لديهم، فحتى ينعم الحاكم بكلّ ما يريد حسب كتاب نظام التفاهة عليه أن يعطي الحق لكل تافه يجول مواقع التواصل بمحتوى فارغ لكي يجعل الناس تتابع بشغف دون وجود هدف لحياتهم ومطالبة لحقوقهم الدُنيا، مما يجعل الحاكم يستطيع الولوج لذاته الفاسدة التي يتعين عليها السرقة والتبيض والغلاء وغيرها، وفتحُ مصادر للكسب عن طريق التافهين من خلال البثوث المباشرة الأخيرة دون وجود قيّد واضح أو قانون يحمي الأطفال الناشئين، الذين يعتبرون السلة الغذائية الغنيّة في الشمال السوري وأمله الأخير.
وقد استطعنا المقارنة بين نظام التفاهة لتفريغ طاقة الشعب الذي يحلم بثورةٍ تحرر كل أجزاء القطر العربي السوري من يد الفساد، إلا أننا ولو قمنا بالمقارنة بين نظام التفاهة العالمي والمسرحيات والمسلسلات الدراميّة التي يلجأ لها الحكّام الديكتاتوريين لتفريغ شحنات شعوبهم والتي قد تتفجر في أيّة لحظة ضدهم ولجدنا أنها لا فرق بينها وبين السابق إلا بقليل، ففي السابق كانت المسرحيات تفضح الأجهزة المخابراتيّة والفساد بما يُعرف بالكوميديا السوداء التي تعتبر من ذات المطبخ الذي أُخرِج منه نظام التفاهة الذي وظّف مواقع التواصل الاجتماعي لبعض التافهين، الذين هم نتاج فكري سطحي جداً غلّته عموم الناس في المجتمع، حيث عمل هذا النظام على جعل الشعب يُقدس التافهين وتسطيح القادة المفكرين بنسب مئوية كبيرة تكاد تصل الثمانين بالمائة، وكان ذلك واضحاً بوجود تحديات الطعام في الشمال السوري والكوميديا الفارغة التي تصنع من الموضوعات المهمة تفاهةً تسطح قدسيتها، فعلى سبيل المثال، يأخذُ التافهون في الشمال السوري موضوعاً هاماً، له قيمته الدنيوية ويعتبر من الشعائر الدينية مثلاً بحبكة كوميدية فارغة ليفقد ذلك الموضوع قيمته عند المتابعين دون محاسبةٍ قانونيّة واضحة لذلك.
ما علاقة السلطة الحاكمة بذلك؟
لقد وجدت السلطات ذريعةً لتتهرب من واجباتها اتجاه شعوبها، وذلك من خلال إفراغ القيّم لدى الناس عن طريق تافهي مواقع التواصل دون محاسبة وقيّد، ليتحول الشعب من قائد فكري واجتماعي وثقافي إلى سطحي مُعْضل لا هم له، ولا أكاد أجزم أنّ الحكومات نجحت بذلك وأشادت بيدها لتزيل الفكر وتضع الغم والغبار على عقول الناس حتى لا تطالب بحقوقها ولا تحتج على وضعها السيء ولا على الخيام ولا تطالب بحريتها ومدنها وقراها المحتلة من قبل ميليشيا نظام الأسد، والجدير بهذه الحكومات لو كانت فعلاً تسعى لتطوير هذه البقعة الجغرافيّة أن تفتح الآفاق للناس وتصنع فرص عمل واضحة يعمل بها الشباب السوري لترفد المؤسسات وترفد الاقتصاد قليلاً بدلاً من مواقع التواصل والتفاهة وتسطيح القادة وجعلهم أذلّاء لا فائدة من علمهم وفكرهم، وتتجسد المسؤوليّة لهذه الحكومات من خلال الاهتمام بالمظاهر دون العمل على البنى التحتية لهؤلاء الشباب.
كيف انعكس المردود الفعلي للتفاهة على البرامج والمحتوى الهادف؟
حسب دراسات عالميّة، انخفضت نسبة مشاهدة البرامج الهادفة والثقافيّة في العالم العربي إلى نسبةٍ لا بأس بها قُدرت بـ 40%، بينما احتلَّ التافهون مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات سخيفة وانحلال أخلاقي، أوصلت الناس للهاوية وإلى القاع، وقد عادت الأسباب بشكل مباشر إلى السلطات الحاليّة.
ختاماً، قد نجح الغربيون بزرع أنظمة هجينةٍ جديدة في عقول مجتمعاتنا، وقد ساعد في نشر هذا النظام الجديد سلطات الأمر الواقع وذلك من خلال إعطاء الأولوية لصنّاع المحتوى التافهين أصحاب السطحية والوضعية حسبما ذكر الفيلسوف الكندي صاحب كتاب نظام التفاهة العالمي، وسعت سلطات الواقع بطريقة أو بأخرى لمساعدة تسطيح التافهين في إفراغ المحتوى الهادف وهدم قادة الرأي والبِناء، لكي تستطيع تلك الحكومات العبث بحريّة تامة بمستقبل هؤلاء الناس بكل تفاصيلِ حياتهم اليوميّة، من سياسة ومن ثقافة ومن عسكرة ومن أرض، وتجدر الحلول في تصحيح المسار دون الانصياع لتيار التفاهة هذا من خلال أهل الحكمة في مجتمعاتنا.
اقرأ أيضاً: عملية تبادل الأسرى بين الجيش الوطني السوري وقوات قسد
يعكس إنشاء مركز متخصص للإخصاب في مناطق شمال غرب سوريا التزام القطاع الصحي بتقديم أفضل…
اعتقلت قوات إسرائيلية متوغلة داخل الأراضي السورية شخصاً في ريف القنيطرة.
شنت ميليشيا قسد حملة دهم واعتقالات في ريف دير الزور الشرقي.
اعترف نظام الأسد بسقوط عشرات القتلى والجرحى، جراء قصف إسرائيلي شرق حمص.
أفرجت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري عن شابين يافعين من أبناء محافظة السويداء جنوب سوريا،…
في السنوات الأخيرة، شهد الشمال السوري تحولاً كبيراً في المشهد السياسي والاقتصادي، حيث تأثرت الحياة…