مقالات الرأي

نحن و الثورة إلى أين..

نحن والثورة إلى أين..

في مشهد قاتم يُخيّم على المناطق المحررة في سوريا، تبدلت ملامح الثورة وارتدت ثيابًا لا تشبه روحها الأولى. الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني، التي كانت يومًا ما تجسيدًا لآمال الشعب وأحلامه بالحرية والكرامة، لم تعد كما كانت. بدلاً من أن تكون هذه الفصائل منارة للثوار وأداة لتحرير الأرض من الطغاة، أصبحت أغلبها حارسًا للفساد ومستثمرًا في معاناة الناس.

تحولت أغلب الفصائل الثورية إلى أدوات للربح السريع، متخليةً عن مبادئها وشعاراتها. الأموال التي يجمعونها من فرض الأتاوات على الأهالي والتجار والفلاحين لا تُستخدم لبناء مستقبل أفضل، بل لتمويل فساد أكبر. ما يكسبونه من استغلال الناس وتهريب المخدرات يستخدمونه لإفساد من حولهم، ولتشويه ما بقي من نسيج اجتماعي في المناطق المحررة. بدلاً من أن يكونوا قوة تحرر، أصبحوا قوة تدمير، ليس فقط لأعدائهم، بل لشعبهم أيضًا.

إن ما يقومون به لا يؤثر فقط على الحاضر، بل يرسم مستقبلاً مظلمًا يؤثر على أبنائنا قبل أبنائهم. كيف سيعيش هؤلاء الأطفال في مجتمع تفشّى فيه الفساد حتى النخاع؟ إن ما يزرعونه اليوم من فساد وجشع سنحصده غدًا كوارث ومآسٍ.

وليس هؤلاء الفاسدون وحدهم المسؤولين، بل إن دائرة الفساد قد اتسعت لتشمل العديد من المنافقين والمستفيدين. هؤلاء الذين يلتفون حول قادة الفصائل، هم في الحقيقة يساهمون في تدمير ما تبقى من الثورة. يعيشون على الفتات الذي يرميه لهم القادة الفاسدون، مستفيدين من الأموال القذرة التي تُجمع على حساب معاناة الناس. هؤلاء المنافقون قد ساهموا في تحويل مسار الثورة من نضال من أجل الحرية إلى مسرحية هزلية هدفها الوحيد هو الربح السريع.

نتائج هذه الممارسات بدأت تظهر بوضوح. الفوضى والانفلات الأمني أصبحا السمة الغالبة في المناطق المحررة، حيث لا توجد قوانين تحكم سوى قانون المال والقوة. الفساد تفشّى في كل زاوية، والخوف واليأس أصبحا يسيطران على النفوس. أهالي تلك المناطق الذين كانوا يتطلعون إلى مستقبل أفضل، أصبحوا الآن يترقبون الكارثة المقبلة، فقد تلاشى الأمل في وجود فصائل قادرة على تحقيق العدالة وتحرير الأرض.

وما يزيد الأمر سوءًا هو تواطؤ القضاء مع هذا الفساد. القضاة الذين كان من المفترض أن يكونوا حماة للعدالة تحولوا إلى شركاء في الجرائم، يتلاعبون بالقوانين من أجل الإفراج عن المجرمين مقابل الأموال. بهذه الأفعال، يساهمون في تعميق الجراح وإدامة معاناة الشعب، حيث لا يجد المظلومون من ينصفهم، بل يواجهون قضاءً فاسدًا يتاجر بالعدالة ويبيعها لمن يدفع أكثر.

ما تفعله هذه الفصائل لم يدمر الثورة فقط، بل دمر أيضًا ثقة الناس في أي مشروع مستقبلي للتحرر. كيف يمكن لشعب أن يثق في من خانوه وباعوه؟ كيف يمكن لشعب أن يتطلع إلى غدٍ أفضل في ظل وجود هؤلاء الفاسدين؟ لقد أجهضوا الثورة من داخلها، وقتلوا الحلم الذي خرج من أجله الملايين، والآن هم يبنون فوق جثث هذا الحلم قلاعهم المتهالكة، التي لن تصمد طويلًا أمام غضب الناس.

هذا نداء لكل من لا يزال يحتفظ بذرة من الشرف في قلبه: توقفوا قبل فوات الأوان. تذكروا أن الأموال التي تجمعونها لن تشتروا بها المستقبل لأبنائكم، بل ستورثونهم العار والذل. الثورة ليست سلعة تُباع وتُشترى، وهي ليست مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية. إنها مسؤولية تاريخية لن يغفر لكم التاريخ خيانتها، ولن يغفر لكم الشعب مشاركتكم في تدميرها.

إذا كان لكم قلب ينبض، وإذا كانت لديكم ذرة من الضمير، فعليكم أن تعودوا إلى طريقكم الأصلي. تذكروا لماذا خرجتم، تذكروا من أنتم، وتذكروا أن الثورة ليست ملكًا لأحد، بل هي أمانة في أعناق الجميع. عودوا إلى مبادئكم، قبل أن يأتي اليوم الذي لن تجدوا فيه مكانًا تلجؤون إليه من غضب الشعب، وغضب أطفالكم الذين سيكبرون ليعرفوا أن آباءهم باعوا قضيتهم مقابل حفنة من الدولارات.

لقد حان الوقت لتغيير المسار، وإعادة بناء ما تبقى من الثورة. فالمستقبل لا يزال في أيديكم، وما زال هناك أمل، لكن فقط إذا اتخذتم القرار الصحيح الآن. الثورة بحاجة إلى رجال شرفاء، رجال لا يخافون إلا الله، ولا يطمعون إلا في رضا الشعب ورضا الله. هؤلاء هم من سيكتبون التاريخ، وهؤلاء هم من سيحررون الأرض حقًا.

اقرأ أيضاً: عصابات النظام وقسد تتسبب بكارثة صحية في نهر الفرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى