مولانا تحدي الحرية الفنية… بين احترام رجال الدين وحرية التعبير في المسرح
خاص وكالة الصحافة السورية
أثّرت شخصية العارف الصوفي، محي الدين بن عربي (1165 – 1240م)، الذي يتواجد ضريحه الشهير في دمشق، على العديد من الكتّاب والشعراء كمصدر إلهام فني. وجد هؤلاء الفنانون في شخصيته رمزية عالية، واستطاعوا الإعراب من خلالها عن حقيقة الحياة وأحلام الناس، وكذلك التفكير في مشكلات عصرهم بالاستعانة بسيرة الشيخ الأكبر وما تحتويه من “كشوفات وكرامات”. ويعتبر استخدام هذا المصدر التاريخي كخطاب فني في مواجهة السلطة ومظاهر الظلم والاضطهاد، والالتزام بمواقف المستضعفين، كما فعل الممثل السوري نوّار بُلبل عندما قدّم عمله المسرحي “مولانا ” لأول مرة في عام 2017، والذي كتب نصّه المخرج فارس الذهبي عام 2007 بما بتناسب مع معايير فترة حكم البعث وقام نوار في تعديل النص بشكل مختلف عن النص الأساسي تماماً ليتناسب مع معايير الثورة السورية حيث كان النص القديم يفاضل بين رجال الدين الصوفي ورجال الدين السلفي . بينما النص الجديد أضاف شخصية عمران ليسلط الضوء على مدارس البعث لتحفيظ القرآن وسطوة أجهزة المخابرات السورية في تلك الحقبة.
وتم تقديم عرض ” مولانا ” من جديد من قبل الفنان السوري نوّار بُلبل يومي الثلاثاء والأربعاء من شهر مايو، واستمر العرض لمدة 90 دقيقة، في “مركز زبيدة هانم الثقافي” بمدينة إسطنبول، وذلك بالتعاون بين “منتدى حرمون” و”منصة لاسين” الفرنسية. تتميز المسرحية بسجل مشاركات قوي في مهرجانات مسرحية حول العالم، حيث شاركت في العديد منها مثل مهرجان “أفينيون” الدولي في فرنسا عام 2019، ومهرجان عشتار الدولي لمسرح الشباب في رام الله العام الماضي.
وفي حديث أجرته وكالة الصحافة السورية مع الفنان السوري نوّار بُلبل صرح بأن جمهور المسرح في أفضل أحواله لم يتجاوز 5000 متابع قبل اندلاع الثورة السورية، وكانت الخيارات المتاحة للمسارح محدودة للغاية، حيث كانت هناك خطوط حمراء من الفروع الأمنية. فقبل سيطرة حزب البعث على السلطة في سوريا، كانت دمشق بلداً للفنون حيث كان هناك العشرات من المسارح ودور السينما، لكن نظام البعث دمر هذه الثقافة التاريخية لدمشق تدريجيًا.
فاليوم يمكننا رؤية مئات دور العبادة في مدينة دمشق، في المقابل عدد المسارح بات محدوداً ، كـ “مسرح الحمراء” و”مسرح القباني”، ولا يوجد مسارح مدنية بنسبة مئة بالمئة فأغلبهم لا يتجرأ المدنيين بالدخول إليها، مثل دار الأوبرا.
يردف بُلبل “مولانا” كنص فني مختلف في مضمونه ومفهومه قبل الثورة السورية في عهد الأسد، ولكن مع تغير الأوضاع والوقت أصبح من الضروري إدخال تعديلات تعكس الواقع السوري وتحقق الانعكاسات الاجتماعية والسياسية وتسعى لإيصال صوت الثورة والمعاناة السوريين، رغم قوة النص الأصلي قبل عام ٢٠١١، فإن جذور النص لا تزال قوية للغاية ويمكن استخدامها لخلق عمل فني مؤثر يعكس الواقع السوري الحالي.
فيما يتعلق بشخصية “عمران” فإنه لم يكون موجود في النص الأصلي، وتمت إضافته لعكس الأحداث والواقع في سوريا.
فالهدف من إدخال شخصية “عمران” هو تعرية مخابرات نظام الأسد، وتسليط الضوء على معاهد الأسد لتحفيظ القرآن، الذي كان هدفها الأساسي هو السياسة و تدجين المواطن. ومن المعروف أن جميع رجال الدين في ظل حكم نظام الأسد الأب والابن في جميع الأديان في سوريا هم شيوخ سلطان مطبلين في بلاط الأسد يملوا على البسطاء ما يملى عليهم من مخابرات الأسد وكنا نعلم بأن خطبة الجمعة في مساجد المسلمين تصدر من المخابرات و وعظة يوم الاحد للأخوة المسيحيين في الكنائس أيضاً تصدر من المخابرات و هذا يكفي أن يعلم المجتمع بأن نظام الأسد مسيطر على جميع الأديان و الطوائف و القوميات ايضاً
يكمل “بُلبل” هذا العمل المسرحي يُهدف في المقام الأول إلى إسعاد المشاهدين وإثارة المتعة والأسئلة معاً .
هُناك جماهير كبيرة حضرت العرض المسرحي بسبب وجود نوّار، الثائر السوري الحر، الذي كان له تاريخ نضالي ضد نظام الأسد، فكان حضورهم على المسرح شبيهاً بحضورهم في مظاهرة ضد نظام الأسد.
تعرض العرض المسرحي الذي عُرض في إسطنبول لانتقادات من بعض الأفراد أو الجماعات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر بعضهم أن العمل يسيء للدين الإسلامي على وجه التحديد، وهذا الأمر غير مقبول في المجتمع السوري المحافظ.
إثارة الصدمة في أهم نقطة فصل في هذا العمل حسب “نوّار” والذي أكمل اختلاف الآراء هو شيء إيجابي حتى نستفيد من آراء الفئات المختلفة في المجتمع. وبالنسبة لي، فإن العرض المسرحي يتكون من عرضين: العرض الأول يتم عرضه أمام الجمهور والعرض الثاني يستمع من خلاله نوار المنتجون وفريق العمل لآراء الجمهور ويحاولون تحسين العرض بناءً على هذه الآراء وسمع اراء الجمهور سوء مع العرض أو ضد العرض منذ زمن طويل جداً نفتقده هذا الحوار والعرض الثاني بالنسبة لي في ذات أهمية العرض الأول على خشبة المسرح، مع ذلك، يرى الفنان السوري نوّار بُلبل أن العرض المسرحي يجسد جزءًا من الواقع ولا يسيء للأديان السماوية بأي شكل من الأشكال.
ويضيف: “في هذا العمل، قلت “إني بحبك يا الله وما بخاف منك”، لكن هؤلاء المشايخ السلطويون يخافون منك، يخافون على مكتسباتهم الشخصية. وصلنا في مجتمعنا إلى أن البعض يقدسهم، الدين لا يحتاج إلى معاهد الأسد ولا يحتاج إلى مشايخ يرشدون المجتمع، فالقرآن الكريم واضح وصريح ولا يحتاج إلى تفسير من أي إنسان على وجه الأرض وجميع الأديان السماوية لا تحتاج تفسير من أي مخلوق في عصرنا هذا
يقول نوّار بُلبل بِأسف: إن المعارضة لم تتطرق إطلاقاً إلى الجانب الثقافي والفني في الثورة السورية وكان اهتمامها سياسي عسكري ديني بالدرجة الأولى ولا توجد مؤسسات تساهم بشكل فعلي في دعم الأعمال الفنية منذ 13 عاماً,ويعتبر الجانب الثقافي والفني مهم بشكل كبير لإيصال أفكار الثورة للطرف الآخر وهذا ما جرى معي أنا نوار فقد استطعت ايصال ديكتاتورية السياسة والمجتمع والدين عبر الفن لأوربا وأمريكا .
ويضيف نوار: “نحن نأمل أن تحظى الأعمال الفنية بالدعم اللازم والمناسب، خاصةً في ظل وجود مؤسسات تدعي أنها تساند المشهد السياسي والمدني في وقتنا الحالي. ونسأل الله أن يكون بعون الفنانين في هذا الوقت”.
رسالتي للجمهور في بلد اللجوء أنا بحبكم يا هالجمهور الحلو، في ظل المصاعب التي تواجهكم في حياتكم العائلية، هي أن المسرح يعتبر الحلقة الأضعف، وفي الوقت ذاته يعد الحلقة الأهم. في شي كتير أهم من المسرح هو توفير جميع احتياجات عائلتك اليومية من لقمة العيش وخبز والمسكن، قدروا يخصصوا ساعتين من وقهم لحضور العروض المسرحية عنجد شي كتير إيجابي وانا بتشكر الجمهور الحي يلي ما زال على قيد الحياة أن كان مع العرض أو ضد العرض وبالنسبة لي، فإنني أحترم هذا الجمهور الجبار والرائع جدًا هذا الجمهور الذي يهتم بالفنون المسرحية ويشاركنا بنقاش إيجابي وسلبي بعد العرض، رغم العديد من المشاكل التي تواجهه في الحياة الغربة، ومع ذلك يتحدثون بحرية عن العمل وآرائهم. لذلك،. برافو لجميع الحضور، بمن فيهم الذين انتقدوا أو كرهوا العمل والذين استمتعوا به.”
لكن هل يمكن أن يتساءل المرء: هل حقاً جميع المؤسسات الدينية هي متحالفة مع السلطة؟! وهل هذا التحالف كان له إثر سلبي على المجتمع السوري؟! وهل المؤسسات الدينية في عهد الأسد تسمح بعرض مثل هذا العرض على خشبة المسارح في دمشق؟!
شارك نوار في العديد من الفعاليات الشبابية التي تدعم الفن المسرحي والسينمائي خلال سنوات الثورة ففي عام 2015 كان على رأس لجنة التحكيم لمهرجان حمص للأفلام التسجيلية الذي أقيم في حي الوعر المحاصر.