معلمون من شمال سوريا يتجهون لمهن جديدة لتأمين متطلبات المعيشة
حسام محمد – القدس العربي
معلمون من شمال سوريا يتجهون لمهن جديدة لتأمين متطلبات المعيشة
ألقى تردي الواقع الاقتصادي في شمال غرب سوريا بعد كارثة الزلزال بثقله على مختلف مناحي الحياة، وكان للعملية التعليمية في إدلب شمالي سوريا نصيبها من تداعيات هذا التردي، لا سيما المعلم صاحب النصيب الأكبر، فبسبب انقطاع وقلة الرواتب والعمل التطوعي لكثير من المعلمين على مدار سنوات، لجأ الكثير منهم لمهن أخرى بالإضافة للتعليم لتأمين متطلبات الحياة في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار وتردي الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.
وبعد أكثر من 12 سنة من الأزمة السورية، تسببت الزلازل التي ضربت المنطقة في شهر شباط/فبراير من العام الحالي، بأضرار إضافية للمدارس وخدمات الرعاية الصحية وغيرها من الهياكل الأساسية مثل مرافق المياه والصرف الصحي، ما عرض 6.5 مليون شخص لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه بشكل مرتفع، بما فيها الكوليرا.
فيما قدرت الأمم المتحدة في تقرير لها معاناة أكثر من 51 ألف طفل دون سن الخامسة من مستويات متوسطة إلى شديدة من سوء التغذية الحاد الوخيم بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وأضافت أن 76 ألف امرأة حامل ومرضعة تحتاج علاجاً من سوء التغذية الحاد. كما يُقدّر أن تعليم 1.9 مليون طفل قد تعطل فيما تستمر المدارس في إيواء الناس الذين شرّدهم الزلزال.
حسن الحسين (36 عاما) مدرس رياضيات ترك التدريس بعد 14 عاما بسبب تدني رواتب المعلمين في ظل الارتفاع الكبير للأسعار ليلتحق بعمله الجديد كمحاسب في إحدى الشركات الخاصة. يقول حسن : «أهوى مهنة التدريس ولدي علاقة خاصة مع طلابي، لكن كيف لمعلم غير قادر على إطعام أسرته أن يكون قادرا على بناء جيل متعلم؟ وتفاجأت بحجم المباركات والتأييد من قبل زملائي المعلمين على قرار استقالتي».
ويضيف الحسين «للأسف الواقع التعليمي تجاوز مرحلة الخطر والمصيبة باتت كبيرة، ويستقيل سنوياً مئات المعلمين من مهنتهم ويتجهون لمهن أخرى بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني وعدم كفاية الرواتب لتأمين متطلبات المعيشة، فهناك مصاريف إيجار المنزل والكهرباء والمياه وتعليم الأطفال والرعاية الصحية والأكل والشرب، ولا يكفي راتب المعلم لسد جزء بسيط منها».
كما انتقل المدرس أحمد الحافظ مؤخراً للعمل في ورشة لإصلاح الدراجات النارية إضافة للمدرسة التي يعمل فيها كمدرس حلقة أولى في جبل كللي شمال إدلب، فهو يعاني من صعوبة التنقل بين السكن والورشة والمدرسة، مشيراً إلى أن سوء الوضع الاقتصادي في المخيمات يحول دون سداد الناس لديونها جراء إصلاح دراجاتها النارية، وأن مورده أقل من العادي رغم أنه يعمل بمهنة أخرى إضافة للتعليم.
يطَور أحمد البليخ وهو مدرس لمادة الفيزياء قدراته في التعليم والتدريب بعد تركه التدريس في أحد مخيمات بلدة كللي شمال إدلب، ليتعاقد مع منظمة إنسانية لتدريب عدد من المعلمين على طرائق وتقنيات التدريس الحديثة، فالراتب لا يكفي أسبوعا من المصروف المنزلي على حد وصفه.
شاهد أيضاً: “قرية الأمل” مشروع كندي يأوي الآلاف شمال سوريا
مشقة العمل والتعليم
لجأ عبد الكريم سباغ وهو معلم في الحلقة الأولى في قرية بيرة أرمناز غرب إدلب إلى مهنة النجارة، ويقوم بإصلاح غرف النوم والأبواب والنوافذ الخشبية ومختلف الأثاث المنزلي الخشبي، بالإضافة لعمليات البخ والتجديد لها، لتأمين مبلغ يساعده في تأمين معيشته، بعد أن تهجر من بلدته تلمنس في أواخر2019 بعد حملة عسكرية واسعة قامت بها قوات النظام وحلفائه.
وعن سبب التحاقه بهذه المهنة والتحديات التي تواجهه في عمله يقول سباغ : «تركت دراستي في كلية الآداب للغة الإنكليزية وعملت متطوعاً لعدة سنوات وبعد التهجير إلى قرية بيرة أرمناز، أسست ورشة لتصليح الأثاث المنزلي الخشبي بالإضافة لعملي التطوعي في مدرسة في أحد المخيمات المحيطة بالقرية، وفي هذه الفترة أكملت تحصيلي العلمي بعد انقطاع لسنوات وتخرجت من معهد إعداد المدرسين بإدلب قسم اللغة الإنكليزية، ليتم بعدها تعييني كمعلم في الحلقة الأولى».
ويضيف، «واجهت صعوبة في التوفيق بين وقت التدريس والعمل ودراستي. في كثير من الأحيان أتأخر لبعد منتصف الليل وأنا في الورشة ولدي في اليوم التالي دوام في المدرسة وامتحان في المعهد. لحظات صعبة تمر علينا نكابد فيها مرارة الحياة، نعمل بكد لنستطيع تأمين متطلبات المعيشة المكلفة، في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني».
الزلزال يصيب التعليم
كان لتردي الأوضاع الاقتصادية أثرها السلبي على العملية التعليمية، بسبب ضعف رواتب المعلمين وانقطاع الدعم عن عدد كبير من المدارس من قبل المنظمات الإنسانية، كما تأثر القطاع التعليمي بزلزال 6 شباط/فبراير الماضي، وحسب رافع الرحمون ممثل نقابة المعلمين في إدلب، فقد أضر الزلزال بالبنية التحتية من مدارس ومرافق تعليمية وشكل خطراً على الأطفال، ما اضطر المدارس لإيقاف الدوام لفترة من الزمن، إضافة إلى نقل طلاب المدارس المتضررة إلى مدارس أخرى قد تكون بعيدة عنهم، وأدى ذلك إلى ازدحام تلك المدارس بسبب ضعف طاقتها الاستيعابية، وحسب فريق منسقو استجابة سوريا فإن 433 مدرسة من مختلف الفئات قد تضررت بفعل الزلزال، كما توفي وأصيب عدد من الكوادر التعليمية والطلاب.
ومن جانب آخر سبب الزلزال خوفاً لدى الأهالي والطلاب، ما دفع العديد منهم إلى عدم إرسالهم للمدارس حتى يشعروا بالأمان، ولحين انتهاء الكارثة خسرت العملية التعليمية وقتاً محسوباً عليها ضمن الخطة الدراسية، ناهيك عن هجرة وتغيير إقامة الكثير ممن تضرروا بالزلزال إلى أماكن أخرى أو إلى خيام عشوائية أو مخيمات لجوء مما أبعدهم عن المدرسة وعوامل أخرى كفقدان الأهل والأقارب نتيجة الكارثة.
وحسب مصادر تعليمية، فإن راتب المعلم في عفرين 1925 ليرة تركية مع دعم كافة المدارس على مدار أشهر العام من قبل مديريات التربية التي تتلقى دعماً من تركيا، في حين أن هناك عدة أقسام للدعم التعليمي في إدلب، فهناك مدارس مدعومة من المنظمات الإنسانية وهي في غالبيتها من الحلقة الأولى برواتب تتراوح بين 120 و170 دولارا مع الانقطاع في فصل الصيف، ومدارس مدعومة من قبل وزارة التربية لحكومة الإنقاذ على شكل منح غير شهرية بمعدل وسطي قدره1500 ليرة تركية.
أما مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني فقد رأى من جانبه أن العملية التعليمية في عموم الشمال السوري متشابهة، ولكن في الشمال الغربي من سوريا في حالة أكثر سوءا، كما «يتوجب علينا تسليط الضوء على تباينات التعليم في مرحلة ما قبل الزلزال الذي ضرب المنطقة في شهر شباط/فبراير الماضي، والمرحلة التي أعقبت الزلزال والتي أدت إلى تفاقم العملية التعليمية عدة مرات، وأن تداعيات الزلزال تركت آثارا قاسية للغاية على السكان وأوضاعهم المعيشية بما فيها قطاع التعليم».
إذ تسبب الزلزال بتشريد أعداد هائلة من السوريين في شمال غرب سوريا، وتعميق فجوات الفقر، ما أجبر عددا كبيرا من العائلات على الاستعانة بالأطفال لتحسين الأوضاع المعيشية من خلال دفعهم نحو سوق العمل، وهي عوامل أدت أيضا إلى الضغط على المدرسين، وتوجه عدد منهم إلى البحث عن أعمال أخرى لتلبية مطالبهم المعيشية.
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) أرجع خلال تصريحات أدلى بها , تردي الأوضاع التعليمية في الشمال الغربي من سوريا لعدة أسباب، ومن أبرزها: المشاريع التي تقدمها المؤسسات الخاصة بالهيئات التعليمية المقدمة للجهات المانحة قد تراجعت نسبتها، مقابل التركيز على جوانب أخرى، فعلى سبيل المثال، قد نجد مشاريع لترميم المدارس بعد كارثة الزلزال، ولكن مع عدم وجود مشاريع لتشغيل المدارس واستمرارها في تسيير العملية التعليمية.
بالإضافة، لا بد من الإشارة إلى التمييز ضد النساء، فهذا لا يزال موجودا، وهو ما يؤدي إلى قلة في وجود الكوادر التعليمية من اللاتي يقمن على العملية التعليمية للطالبات، وهن يعانين من تحكم العائلة بخصوص التوجه إلى المدرسة.
شاهد أيضاً: قطر للتنمية تعلن بناء مدينة متكاملة للنازحين شمالي سوريا
غياب الضمان
وأرجع رافع الرحمون ممثل نقابة المعلمين في إدلب سبب عزوف معلمين عن مهنتهم والتحاقهم بمهن أخرى في حديثه إلى عوامل عدة، منها «ضعف المردود المادي للمعلم، فالمنحة التي يتقاضاها لا تكفي لأبسط مقومات الحياة الكريمة ومتطلبات عائلته، فهي أقل من كل الرواتب التي يتقاضاها الموظفون الآخرون، بالإضافة لشعورهم بأنه لا توجد حماية أو ضمانة لهم، فهم عرضة للقرارات التي تصدر من الجهات التي يعملون معها، وفي أي وقت يمكن الاستغناء عنهم، ما يدفعهم للبحث عن وظيفة أو مهنة أكثر استقراراً وبمردود أفضل، ناهيك عن عدم وجود قوانين ناظمة تحمي المعلم وتحافظ على حقوقه».
وأشار الرحمون إلى أن وزارة التربية في إدلب عملت على إنهاء ظاهرة التطوع من خلال منح المعلمين الذين يعملون بالحلقة الثانية والثانوي منحا، وهذا لا يعني الوصول إلى صفر تطوع، علماً أن هذه المنح تشابه منح التطوع في مجالات أخرى فهي ضمن الحدود الدنيا بقرابة 50 دولارا أمريكيا، ويمكن اعتبار هؤلاء المعلمين والمدرسين متطوعين وخاصة بعد توقف منظمة «مناهل» عن العمل والتي كانت تغطي نسبة كبيرة من المدارس بالرواتب على حد وصفه.
يدير الملف التعليمي في إدلب وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، التي سيطرت على الملف بعد إنهاء وجود الحكومة السورية المؤقتة في إدلب، وتتبع لها أربع مديريات تربية (حلب، إدلب، اللاذقية، حماه) بعدد طلاب 410.346 طالب وطالبة يتوزعون على 1218 مدرسة، منهم 33.302 طالب غير ملتحق بالعملية التعليمية، وبكوادر إدارية وتدريسية قدرها20.198 بينهم 6.227 مدرس وإداري متطوع، وذلك حسب إحصائية نقابة المعلمين .
أطفال دون طفولة
سجَّل تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وصلت نسخة منه لصحيفة «القدس العربي» إحصاء الشبكة لمقتل 29894 طفلاً سوريًا على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار/مارس 2011 بينهم 22954 قتلوا على يد قوات النظام السوري، و2046 على يد القوات الروسية، و958 على يد تنظيم داعش، و74 على يد هيئة تحرير الشام.
وبين التقرير الحقوقي، أنَّ قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية «قسد» قد قتلت 243 طفلاً، فيما قتلت جميع فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني 1003 أطفال، وقتل 925 طفلاً إثرَ هجمات لقوات التحالف الدولي و1691 طفلاً قتلوا على يد جهات أخرى.
وأظهر تحليل البيانات أنَّ النظام السوري مسؤول عن قرابة 76 في المئة من عمليات القتل خارج نطاق القانون، ووفقاً للمؤشر التراكمي لحصيلة الضحايا فإنَّ عام 2013 كان الأسوأ من حيث استهداف الأطفال بعمليات القتل تلاه عام 2012 ثم 2014 ثم 2016.
أما على صعيد الاعتقال- الاحتجاز والاختفاء القسري، والتعذيب فإن ما لا يقل عن 5162 طفلاً لا يزالون قيد الاعتقال/الاحتجاز أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بينهم 3684 على يد قوات النظام السوري، و46 على يد هيئة تحرير الشام، و752 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و361 على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني.
وأضاف التقرير أنَّ 319 طفلاً منهم، كان قد اعتقلهم تنظيم داعش قبل انحساره ولا يزالون قيد الاختفاء القسري حتى 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
وعلى الرغم من ترسانة القوانين الدولية التي تُعنى بحقوق الطفل وتهدف إلى حمايتها في جميع الأوقات، إلا أّنَّ الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا لم تتوقف منذ قرابة أحد عشر عاماً، ولم تحترم أيٌّ من أطراف النزاع تلك القوانين، بمن فيها النظام السوري الذي صادق على اتفاقية حقوق الطفل، لكنها لم تردعه عن ارتكاب انتهاكات بحق الأطفال يرقى بعضها إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية عبر القتل خارج نطاق القانون، والإخفاء القسري، والتعذيب، وجرائم حرب عبر عمليات التجنيد الإجباري. وأن كثيراً من الانتهاكات التي مارستها بقية أطراف النزاع بحق الأطفال قد تشكل جرائم حرب كونها ارتكبت على خلفية النزاع، وانتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان إذ تم ارتكابها بحق الأطفال الخاضعين لهذه القوات.