مخابرات فرنسية ومصنع لافارج تحقيق يكشف تورط العاملين في أعمال التجسس
الكشف عن ارتباط مسؤولين في شركة “لافارج” الفرنسية لإنتاج الأسمنت في سوريا بال مخابرات الفرنسية، وتأسيس شبكة تجسس في شمال سوريا تعمل مع الجماعات المسلحة خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2014، وذلك وفقًا لتحقيق استقصائي فرنسي.
ووفقًا لمقطع الفيلم الاستقصائي الذي تم عرضه على قناة “الجزيرة” القطرية في 16 يونيو، تم اكتشاف وجود شبكة تجسس أخرى في دبي تديرها رجل الأعمال السوري فراس طلاس، والذي يمتلك أسهمًا في شركة “لافارج”. وقد لجأ طلاس إلى باريس ويعيش فيها منذ بداية الثورة السورية في عام 2011.
وحسب التحقيق الذي أجراه الفريق، تم الحصول على آلاف الوثائق المتعلقة بقضية “لافارج”، وتم مقابلة الأشخاص الذين لهم صلة بالموضوع، بما في ذلك عملاء المخابرات ومسؤولين في المصنع والسلطات الفرنسية.
في عام 2010، افتتحت الشركة مصنعها في قرية الجلبية في شمال غرب سوريا، قرب الحدود التركية، وقد استثمرت مبلغ 860 مليون دولار في هذا المشروع.
كشف الفيلم عن أن كبار المسؤولين في مصنع “لافارج” قاموا بتأسيس شبكة تجسس في شمال سوريا بهدف حماية مصالح شركتهم التجارية، وفي نفس الوقت تسريب معلومات حول نشاطات الفصائل العسكرية والمجموعات الجهادية في المنطقة إلى أجهزة الاستخبارات الفرنسية والأمريكية.
وأكد الجنرال كريستوف غومار، الذي كان يشغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية الفرنسية من عام 2013 إلى عام 2017، في شهادته أمام فريق التحقيق، أن موظفي “لافارج” كانوا مصدرًا هامًا للمعلومات وأنهم “ساهموا في خدمة بلدهم فرنسا”.
تكونت شبكة الجواسيس من مدير الأمن في المصنع، جان كلود فيار، الذي كان مرتبطًا بوزارة الدفاع الفرنسية، وعمل تحت إمرته كل من النرويجي جاكوب وارنيس، المسؤول عن الأمن في المصنع، والأردني أحمد جلودي، الذي شغل نفس المنصب حتى عام 2015.
وقد قام كلود فيار بتزويد الاستخبارات العسكرية وجهاز مكافحة الإرهاب والمخابرات الخارجية الفرنسية بمعلومات مفصلة عن مقار بعض الفصائل الجهادية وأسماء أعضائها وعناوينهم ابتداءً من منتصف عام 2011.
يدير فراس طلاس (63 عامًا) شبكة أخرى كانت تقوم بتسريب معلومات عن الفصائل السورية المسلحة والمقاتلين الفرنسيين الذين انضموا إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى دبلوماسي فرنسي في القنصلية الفرنسية في دبي.
ووفقًا لنتائج التحقيق، كان فريق طلاس يحصل على أسماء وأرقام هواتف الأشخاص المستهدفين مقابل مبالغ مالية يتم دفعها عند نقاط التفتيش. وفي شهادته، أفاد طلاس بأنه لديه عناصر في جميع أنحاء الأراضي السورية يقومون بإرسال المعلومات إليه يوميًا، وقد قام بإرسال نسخ متعددة من الفيديوهات لصالح المخابرات الخارجية الفرنسية.
وكان طلاس يتقاضى مبالغ مالية تتراوح بين 60 إلى 100 ألف يورو شهريًا مقابل هذه “المهمات”، حيث يقوم بدفع جزء من هذه الأموال لعملائه داخل سوريا، وفقًا لنوعية المهمة.
أعرب فراس طلاس، الابن السابق لوزير الدفاع السوري مصطفى طلاس، عن استياءه من التسمية المطبقة على الفيلم الاستقصائي الفرنسي (مصنع الجواسيس) في منشور على صفحته في فيسبوك.
ذكر طلاس أنه خلال فترة عمل المصنع بعد بدء الثورة، أجرى مفاوضات مكثفة لضمان سلامة العاملين في الشراكة مع إدارة المصنع.
رفض طلاس تسمية “شبكة علاقاته” في سوريا بأن تكون “شبكة جواسيس”، واعتبرها “اساءة” لصالح “الشباب السوري الثائر السلمي الذي امتهن العمل السياسي المدني”، بالإضافة إلى علاقاته الواسعة مع الأشخاص خلال فترة إقامته في سوريا.
وصف عمله في ذلك الوقت بأنه محاولة لـ “تصحيح الأضرار الناجمة عن محاولات تحويل المسار السلمي للحراك لصالح الإرهابيين وعملاء النظام وأطراف أخرى”، واعتبر أن “مراقبة شبكات الإرهاب وتقييدها” كانت مصلحة مشتركة بين سوريا وفرنسا والولايات المتحدة.
وبالنسبة للمبالغ التي تلقاها مقابل هذا العمل، اعتبر طلاس الحديث عنها نوعًا من “الشفافية”، ووصفها بأنها “مبالغ عادية جدًا” تغطي تكاليف أمنية ولوجستية مشابهة، وقارنها بـ “الثروة التي تركها وراءه في سوريا والتي تمتصها النظام السوري بقرار من الرئيس السوري الأسد عندما قرر طلاس أن يكون “صوت الضمير”.
في سبتمبر 2014، فقدت “شبكات التجسس” التابعة لمصنع “لافارج” نشاطها عندما سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على مصنع الأسمنت. وبعد ست سنوات من التحقيق، توصلت الشرطة القضائية إلى أن مصنع “لافارج” قدم ملايين اليوروهات للتنظيمات المسلحة كرشاوى لزبائن المصنع وقيمة الأسمنت المتبقية في سوريا.
في عام 2017، أصدرت السلطات الفرنسية مذكرة اعتقال بحق فراس طلاس بسبب الاشتباه في تمويل الإرهاب. وفي مقابلة مع صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية في مارس الماضي، اتهم المدير التنفيذي لشركة “لافارج”، برونو لافون، الاستخبارات الفرنسية بـ”اختراق” فرع الشركة خلال ذلك الوقت.
أشار لافون إلى أن هناك علاقة خاصة بين الدولة الفرنسية واستخباراتها وشركة “لافارج”، وأن موقع المصنع كان استراتيجيًا للتحالف المناهض للإرهاب وفرنسا. وأعرب عن اعتقاده بأن السلطات شجعت الشركة على مواصلة نشاطها في سوريا.
وأكد لافون أنه لم يكن يعلم بخترق الشركة وأنه لم يكن يعلم أي شيء عن المدفوعات للجماعات المسلحة أو أنشطة الدولة في المصنع.
في أكتوبر 2022، أعلنت شركة “لافارج”، التي استحوذت عليها مجموعة “هولسيم” السويسرية في عام 2015، أنها وافقت على دفع غرامة مالية بقيمة 778 مليون دولار في الولايات المتحدة والاعتراف بالذنب لمساعدتها منظمات “إرهابية” بين عامين 2013 و 2014