قطر وتركيا وأجندات التغيير الديمغرافي في سوريا
قطر وتركيا وأجندات التغيير الديمغرافي في سوريا
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، أصبحت سوريا ساحة لصراعات إقليمية ودولية معقدة، من بين القوى الإقليمية التي لعبت دورًا بارزًا في الثورة السورية، تبرز كل من قطر وتركيا، دعمت هاتان الدولتان المعارضة السورية ضد ميليشيات الأسد، مقدمتين الدعم المالي والعسكري والإنساني، ومع ذلك، هناك اتهامات بأن سياساتهما قد ساهمت في تغيير ديموغرافي كبير في سوريا يخدم أجنداتهما الخاصة، كما أن هناك تساؤلات حول مواقفهما الفعلية إزاء الميليشيات الموالية للأسد مثل روسيا وإيران وحزب الله وفاطميون، يثير هذا المقال التساؤلات حول ما إذا كانت قطر وتركيا تدعمان الأهالي المعارضين حقًا أم تتعاونان مع ميليشيات الأسد من خلف الكواليس لتحقيق مصالحهما الإقليمية.
الخلفية التاريخية والدور القطري والتركي في الثورة السورية:
منذ بداية الانتفاضة السورية، قدمت كل من قطر وتركيا دعمًا كبيرًا للفصائل المعارضة، هذا الدعم شمل توفير الأسلحة والذخائر والتدريب العسكري للفصائل التي تقاتل ضد ميليشيات الأسد وحلفائه، فتحت قطر وتركيا أبوابهما لقيادات المعارضة السورية، وقدمتا منصات إعلامية لدعم الثورة السورية.
دعم الفصائل المعارضة:
لعبت قطر وتركيا دورًا محوريًا في تعزيز قدرات الفصائل المعارضة،فقدمت قطر مساعدات مالية وعسكرية سخية، مما مكّن الفصائل من الصمود أمام هجمات ميليشيات الأسد وحلفائها، وبالمثل قدمت تركيا الدعم العسكري للفصائل المعارضة وسهلت عبور المقاتلين الأجانب عبر أراضيها.
المساعدات الإنسانية:
قدمت قطر وتركيا مساعدات إنسانية واسعة النطاق للنازحين واللاجئين السوريين، وموّلت قطر مشاريع إنسانية كبيرة، بما في ذلك توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية للمتضررين من الصراع، واستضافت تركيا ملايين اللاجئين السوريين وقدمت لهم الدعم الإنساني اللازم، ورغم أهمية هذه المساعدات، إلا أنها أثارت تساؤلات حول الأهداف الكامنة وراءها، خاصة عندما ترتبط بإعادة توطين النازحين في مناطق معينة بما يساهم في تغيير التركيبة السكانية لتلك المناطق.
سياسات التغيير الديمغرافي: الأهداف والوسائل
تُتهم كل من قطر وتركيا باستخدام سياسات التغيير الديمغرافي كأداة لتعزيز نفوذهما في سوريا، تشمل هذه السياسات تهجير السكان الأصليين، خاصة من المناطق ذات الأغلبية السنية، وإحلال سكان جدد موالين لهما أو لجماعات مدعومة منهما، تتنوع وسائل تحقيق هذه السياسات بين الدعم المالي والعسكري للفصائل المعارضة، وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، وتقديم المساعدات الإنسانية المرتبطة بشروط تتعلق بإعادة التوطين.
استراتيجيات التهجير القسري:
تتضمن استراتيجيات التهجير القسري تنفيذ هجمات عسكرية مكثفة على المناطق السكنية لإجبار السكان على النزوح لمناطق أخرى حدودية شمالي سورية، وتعتمد هذه الاستراتيجيات على القصف العشوائي والحصار واستخدام القوة المفرطة، مما يؤدي إلى نزوح جماعي للسكان الأهالي، وقد تُستخدم هذه الأساليب لتعزيز السيطرة على الأراضي وتغيير التركيبة السكانية بما يتماشى مع الأهداف السياسية.
الميليشيات الموالية للأسد
إلى جانب الدور القطري والتركي، لعبت الميليشيات الموالية للأسد، مثل روسيا وإيران وحزب الله وفاطميون، دورًا كبيرًا في الصراع السوري، وقدمت هذه الميليشيات دعماً عسكرياً واسعاً لميليشيات الأسد، وساهمت في تنفيذ عمليات تهجير قسري وتغيير ديموغرافي في المناطق التي تسيطر عليها، بحجة إزالة الإرهاب والدفاع عن معتقدات عرقية دينية ومقدسات تتواجد في سوريا، كمقدسات شيعة إيران وغيرها.
روسيا:
لعبت روسيا دوراً رئيسياً في دعم ميليشيات الأسد من خلال القصف الجوي المكثف والدعم اللوجستي، ساهم هذا الدعم في تهجير العديد من السكان من مناطق مثل حلب والغوطة الشرقية وريف إدلب الجنوبي وحمص ودرعا، مما أدى إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة، تعود على تهجين ثقافات جديدة مكان السكان الأصليين.
إيران:
قدمت إيران دعمًا ماليًا وعسكريًا لميليشيات الأسد، كما دعمت ميليشيات شيعية مثل حزب الله وفاطميون التي لعبت دورًا بارزًا في العمليات العسكرية وتهجير السكان.
حزب الله وفاطميون:
ساهمت ميليشيات حزب الله اللبنانية وفاطميون العراقية و الأفغانية في تنفيذ عمليات عسكرية ضد الفصائل المعارضة، مما أدى إلى تهجير قسري للسكان وتغيير ديموغرافي في المناطق التي سيطرت عليها بشكل همجي وبهدف سياسي يعود بالنفع على داعمي تلك الميليشيات محوره الأراضي السورية.
التحليلات السياسية لمواقف سياسيين عرب:
تعكس التحليلات السياسية لعدد من السياسيين العرب مواقف متباينة حول دور قطر وتركيا في سوريا، يرى بعضهم أن هاتين الدولتين، رغم نواياهما الداعمة للثورة، قد انخرطتا في سياسات أثرت بشكل سلبي على التركيبة السكانية السورية، فقد أعرب عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عن قلقه من التدخلات الخارجية في سوريا، مشيرًا إلى أن دعم الفصائل دون رؤية واضحة قد يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي السوري، وأكد على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة سوريا، فيما انتقد خاشقجي في العديد من مقالاته التورط القطري والتركي في سوريا، محذرًا من أن التلاعب بالتركيبة السكانية سيؤدي إلى صراعات مستقبلية طويلة الأمد، وأشار إلى أن التدخلات الخارجية يجب أن تهدف إلى تحقيق الاستقرار وليس تعزيز الانقسامات.
التحليل لمواقف سياسيين ومحللين:
عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة “رأي اليوم:”
يشير عطوان إلى أن السياسات القطرية والتركية في سوريا قد تكون مدفوعة بأهداف استراتيجية، تشمل الضغط على النظام السوري لتحقيق تنازلات سياسية، مع الحفاظ على خطوط اتصال مع جميع الأطراف لضمان عدم خسارة النفوذ الإقليمي.
محمد حسنين هيكل، الصحفي المصري الراحل:
اعتبر هيكل أن الدور القطري والتركي في سوريا مركب ومعقد، موضحًا أن كلا البلدين يلعبان لعبة توازن بين دعم المعارضة والاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية مع النظام السوري لضمان مصالحهما المستقبلية.
طلال سلمان، مؤسس صحيفة “السفير” اللبنانية:
يرى سلمان أن قطر وتركيا تستغلان المساعدات الإنسانية كأداة لتعزيز نفوذهما في مناطق المعارضة، مع الحفاظ على اتصالات غير معلنة مع ميليشيات الأسد لضمان تحقيق أهدافهما الإقليمية في وجهٍ آخر.
التداعيات الإقليمية والدولية:
تؤدي سياسات التغيير الديمغرافي إلى تداعيات خطيرة على المستويين الإقليمي والدولي، يمكن أن تؤدي هذه السياسات إلى:
زيادة النزاعات الطائفية والمذهبية:
تؤدي التغييرات الديمغرافية إلى خلق بيئات خصبة للنزاعات الطائفية، حيث يشعر السكان الأصليون بالإقصاء والتهميش شمالي سوريا.
تعقيد الحلول السياسية:
تجعل التغييرات الديمغرافية من الصعب الوصول إلى حلول سياسية شاملة، إذ تتغير تركيبة القوى على الأرض، وتصبح مصالح الفاعلين أكثر تعقيدًا، وتستمر أزمة اللاجئين السوريين في التفاقم، حيث يضطر المزيد من الناس إلى ترك منازلهم نتيجة للسياسات الديمغرافية المتبعة من خلال الحروب على الأهالي المعارضين لنظام الأسد وتدمير منازلهم وحرق أراضيهم وجلب مستوطيين إيرانيين لأمكانهم.
في الختام، تبقى الثورة السورية معقدة ومليئة بالتحديات، لكن الأمل في تحقيق السلام والاستقرار يكمن في التعاون الدولي والإقليمي، والثورة هي الأمل لإزالة رأس نظام الأسد من الحكم الذي جعل سوريا غابة له بخيراتها منذ أكثر من 50 عام مع والده المجرم حافظ الأسد.
اقرأ أيضاً: التدخل التركي في المجالس المحلية ينسف كل تضحيات السوريين