سوريا

في ذكرى الجلاء.. سوريا تنطق بلسان روسي إيراني

نظام الأسد يحتفل بذكرى الجلاء في تزامناً مع خمسة احتلالات في سوريا

سُلكت رقبة سوريا بسلاسل استعمار الميليشيات الطائفية، وأُلبست سماؤها أصفاد أعلام الدول الدخيلة، وكأن تلك الألوان الزاهية وضعت سلاسل من ظلام على وطن لم يعد للسوريين، بل أشاعت لون الدم القاتم على الأرض السورية، حيث أنها أزهقت ألوف الحيوات تحت شعارات شتى أبرزها “محاربة الإرهاب”.
فمنذ انطلاق الثورة السورية وتوسع رحى الحرب مع نظام الأسد، بدا ذلك أقرب إلى التحرر الوطني، وكانت الانقسامات الحالية بمنأى عن أي تصور، غير أن تطورات الحرب فرضت معها استعانة النظام بنظيره الإيراني وحليفه الروسي، فضلاً عن ميليشيات طائفية لتوطيد أركان حكمه، وقمع ثورة السوريين على أيديهم، حتى باتت سوريا، في الوقت الراهن، أقرب إلى توزع مناطق نفوذ يتقاسمه الحامي الفعلي لنظام الحكم، هناك في قصر المهاجرين، أو إرساء حكم ميليشيات عرقية ظهرت فيما بعد بدعم غربي وأمريكي، هناك في شمال شرق سوريا.
ذلك التقسيم يتزامن مع تناقض التسميات، فالرواية الرسمية لنظام الأسد تبرر وجود القوى الأجنبية الداعمة لحكمه على أنها من منطق التحالفات الدولية، وللنظام الحاكم الحق في إبرامها وفق مقتضى الحاجة، كما أنها ترفض، في الوقت ذاته، الوجود الأمريكي والتركي كونه خرقاً للسيادة ويتناقض والمواثيق الدولية.
أما قوى المعارضة، فرؤيتها ما زالت ثابتة حيال التدخل الإيراني والروسي، إذ أنها اعتبرته لإبقاء حكم الأسد ليس إلا، وعليه إذ ذاك، إرساء قواعد حكم يتوافق ومصالحها في المنطقة، وإبقاء الأسد على سدة الحكم، فإن ثمنه سوريا الدولة ذاتها منزوعة من مصطلح السيادة الوطنية التي تروج لها وسائل إعلام السلطة، وتقول، أي المعارضة، إن ذلك شكل جديد من أشكال الاستعمار، ناضل السوريون على مر تاريخهم لوحدة بلادهم واستقلال أراضيها ضد الفرنسيين.
بيد أن أياً من الروايتين، وعلى فجوة الاتساع بينهما إلا أنهما يلتقيان في مسار واحد، وهو أن سوريا تبدو كأنها ملعب لا تتقاذف به الكرات، بل حمم نارية على لاعبين، من فرق شتى، تكون فيها الجغرافية السورية أهدافاً لضربات المتخاصمين، فضلاً عن تقسيم الأرض السورية الواحدة إلى ثلاث مناطق رئيسة لكل واحدة منها حليف رئيسي، الأولى تشمل سلطة نظام الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين وحزب الله وميلشيات عراقية، والثانية سلطة المعارضة السورية وحليفها الفعلي تركيا وهي نفسها خاضعة تحت حكمين “هيئة تحرير الشام والجيش الوطني”، أما السلطة الثالثة الرئيسية فهي قوات سوريا الديموقراطية “قسد” مع حليفها “الأمريكي”، ودع عنك التكتل العقائدي في بعض المناطق، خاصة في جنوب سوريا، أو شرقها بعد نهاية أفول تواجد داعش، حيث يقي هناك قلة قليلة من عناصر التنظيم هناك.
وأمام الحال تلك، يبدو أن التوافق الوطني والوحدة السورية بعيدة المنال كبعد الجلاء عن الروس والإيراني والأمريكي، وغيرهم من القوى الإقليمية المتحاربة على الأرض السورية، ومع يقين النخب السياسية السورية، التي غابت أو غيبت، أنه لا مفر من حال الاستعمار الجديد والنزول عند ما فرض واقع الحال، يرجون، مع ذلك، أن يتغير، ولو بعد حين.

صورة التقطت في دمشق في يوم الجلاء 1946

التدخل الإيراني:
ما كانت إيران أن تتدخل لولا العلاقة التاريخية الوطيدة بين نظامي الحكم الإيراني والبعث في دمشق بعد الثورة “الإسلامية الإيرانية” عام 1979، إذ مع مرور السنوات وقّع الطرفان اتفاقيات عدة في شتى المجالات، ورأت إيران في نظام الأسد ضماناً لمصالحها، ومع اندلاع الثورة السورية قدم النظام الإيراني لنظيره السوري دعماً لوجستياً وتقنياً ومالياً، كما أنه أرسل بعض القوات الإيرانية للقتال إلى جانب صفوف جيش النظام، بل إن ذلك التدخل العسكري، حمل معه بعداً دينياً للأقلية الشيعية في سوريا.
ومع بداية الحراك السلمي في سوريا عام 2011، ذكرت تقارير إعلامية بأن نظام الحكم الإيراني ساعد نظام الأسد بمكافحة ما سماه “الشغب”، مقدماً تقنيات استخبارية وتكنولوجية لتعقب المعارضين السوريين عبر الإنترنت.

طوابع أصدرت في ذكرى الجلاء في عام 1990

الاستنجاد بلغة روسية:
بادئ ذي بدء، ما ادخر النظام الروسي دعماً للنظام السوري، خاصة مع سلسة استخدامه حق النقض الفيتو في مجلس الأمن منذ عام 2011، عرقل بموجبها جهود المجلس في حماية المواطنين السوريين، بيد أن تدخله ميدانياً كان مع بداية شهر أيلول من عام 2015، حينما دنا النظام السوري، أو كاد، إلى السقوط بشكل فعلي، بعد سيطرة الثوار على 75 % من مساحة الجغرافية السورية.
هذا وامتد النفوذ الروسي ليشمل إقامة قواعد عسكرية في منطقة حميميم، وتجمعات لقواته في كبرى المدن السورية، خاصة “دمشق وحلب”، وعملية تأهيل واستئجار طويل الأجل لميناء طرطوس، وصفها المعارضون حينها بأنها إحدى هبات الأسد لحليفه الروسي يضمن من خلالها مستقبله ويهدد بها مستقبل البلاد كاملاً.

إذن، تقرأ في سيماء وصفحة البلاد لغة الانقسام التي فرضها منطق النظام خلال تمسكه بالسلطة، والوحدة هي السبيل لمواجهة المستعر الجديد ثم الحصول على الجلاء، إذ يعبر السوريون عن وطيد أملهم بذلك، متمنين ألا يرفرف في سماء دولتهم سوى علم واحد يرخي بسجوفه على الوطن كاملاً.

اقرأ أيضاً: الفرقة الرابعة تعتقل ضابطاً مسؤولاً عن التهريب مع لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى