سوريا

فتح معبر أبو الزندين: هل هو محض صدفة أم اتفاق مسبق؟

قضية معبر أبو الزندين أثارت غضب الأهالي والناشطين

دفع الجيش التركي والفصائل العسكرية السورية بتعزيزات إلى معبر أبو الزندين بريف مدينة الباب شرق حلب، في ظل استمرار الاعتصام الشعبي رفضاً لفتح المعبر الفاصل بين مناطق سيطرة قوات الأسد ومناطق الشمال السوري التي ترتبط بعدة بوابات حدودية.
ويواصل المعتصمين احتجاجهم أمام معبر أبو الزندين، ويمنعون الشاحنات التجارية المتجهة من مناطق سيطرة الجيش الوطني والقوات التركية باتجاه مناطق سيطرة الأسد.

لماذا هذا الإصرار التركي على فتح معبر أبو الزندين شمال شرق حلب مع نظام الأسد؟
اتفاقيات أستانة، التي بدأت في يناير 2017، هي سلسلة من الاجتماعات التي جرت بين نظام الأسد والمعارضة السورية بمساعدة من روسيا وتركيا وإيران. تتناول نصوص الاتفاقيات عدة جوانب رئيسية، من أهمها:
” تثبيت وقف إطلاق النار ـ إنشاء مناطق خفض التصعيد ـ تعاون الدول الضامنة ـ العودة إلى المفاوضات ـ تأمين الطرق الدولية ” وبناءً على ذلك، قد يكون الضغط الحالي لتطبيق اتفاقيات أستانة وتحقيق الأهداف السياسية، فضلاً عن محاولة التهرب من العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد.

الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت عدة قوانين تعاقب نظام الأسد ومن يتعامل معه، بينما تسعى تركيا وروسيا وإيران إلى الالتفاف على هذه القوانين من خلال توريط فصائل المعارضة السورية في قضية فتح المعابر.
من القوانين المهمة المفروضة على نظام الأسد:

قانون “حماية المدنيين في سوريا” (قانون قيصر): يهدف هذا القانون إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الأسد، ومحاصرة ومعاقبة حلفائه، وذلك بهدف إجباره على القبول بحل سياسي للحالة السورية بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2254.

قانون الكبتاجون: يهدف هذا القانون إلى منح الحكومة الأمريكية صلاحيات جديدة وموسعة لمحاسبة النظام السوري والشبكات المرتبطة به في ما يتعلق بتجارة المخدرات. يشمل ذلك جميع الأفراد أو الكيانات التي تشارك في الاتجار بمخدرات الكبتاجون، أو تصنيعها، أو تهريبها، أو الاستفادة من عائداتها، بغض النظر عن جنسيتهم.

قانون مناهضة التطبيع لنظام الأسد لعام 2023: ينص هذا القانون على أن سياسة الولايات المتحدة تحظر أي إجراء رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد، وذلك بناءً على الجرائم التي ارتكبها النظام ضد الشعب السوري. ويهدف القانون إلى معارضة اعتراف أي حكومة أخرى أو تطبيع العلاقات مع حكومة الأسد من خلال تطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر والأمر التنفيذي رقم 13894، الذي يتضمن حجب ممتلكات ودخول بعض الأفراد المتورطين في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، يسعى القانون إلى منع إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد ويحظر على أي مسؤول أو موظف فيدرالي اتخاذ إجراءات أو تخصيص أموال تشير ضمنًا إلى اعتراف الولايات المتحدة ببشار الأسد أو حكومته.
وضعت الولايات المتحدة هذه القوانين بهدف معاقبة الأسد وكل من يتعاون أو يطبع معه، في ظل الانتهاكات المستمرة وغياب المحاسبة الفعلية للمجرمين. إضافة إلى عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تنص على انتقال سياسي للسلطة.

في حديث مع الصحفي عقيل حسين لوكالة الصحافة السورية حول فتح المعبر، قال: نحن نواجه نوعين من التحفظات: التحفظات السياسية والتحفظات الإجرائية والموضوعية.
التحفظات السياسية تشير إلى أن السياق والترتيب مريبان، وبالتالي لا يجب أن نخضع لهما. السياق هو سياق مصالح وتطبيع بين تركيا والنظام، وبين المحيط العربي والنظام، كما أن الترتيب بين روسيا وتركيا يظهر أنه لم يكن ترتيباً سورياً، بل لم ينبع هذا القرار من السوريين أنفسهم، مما يثير خشية مشروعة لدى السوريين.

أما بالنسبة للتحفظات الإجرائية والموضوعية، فهي مبالغ فيها بشكل كبير مقارنةً بالتحفظات السياسية التي أرى فيها جانباً من الحق. هناك من يقول إن فتح المعبر سيسمح بتدفق المخدرات والمتفجرات إلى مناطق المعارضة، بالإضافة إلى رفع أسعار السلع في الأسواق. لكن، يجب الرد على هذه التحفظات بشكل عقلاني. صحيح أن التحفظات السياسية تستدعي الانتباه، لكن لا ينبغي الاستسلام لها. في أي معركة سياسية، يجب تقليل المخاطر وتعظيم المكاسب. إغلاق الأبواب خوفاً من المخاطر ليس حلاً، خصوصاً أننا مسؤولون عن ملايين السوريين في المناطق المحررة الذين يحتاجون إلى فرص عمل ودخل لتحسين مستوى معيشتهم، وتغيير الواقع الذي عانوا منه لسنوات.

ويضيف عقيل: “عندما نطالب المدنيين بالصمود ورفض التطبيع مع نظام الأسد وعدم المصالحة معه حتى يتم تطبيق القرار 2254، يجب علينا أن نساعدهم على الصمود. إذا رفضنا فتح المعبر بحجة المخاطر، فإن ذلك قد يزيد من غضب الشعب واستفزازه.”

ويضيف عقيل أيضاً: “يؤكد أن مسؤولية حماية المناطق المحررة من المخدرات والمتفجرات وغلاء الأسعار تتطلب عملاً مؤسساتياً فعالاً، وضبطاً لفتح المعابر وتأمينها من خلال لجان تشرف على عمل المعبر وتدقق في المواد المسموح بتصديرها واستيرادها.”
ويشير إلى أن هناك العديد من معابر التهريب التي تعمل يومياً دون رقابة، ويجب إغلاق هذه النقاط غير القانونية التي لا نعلم ما تمر به وكيفية عملها بدون ضوابط، لأنها مرشحة لإدخال المخدرات والمتفجرات إلى الشمال السوري.
فتح معبر رسمي تحت إشراف جهة مختصة وموثوقة سيوفر السلع اللازمة للمنطقة ويسهم في تصدير السلع المتوفرة لدينا، حيث توقفت العديد من المصانع وورش العمل بسبب عدم القدرة على التصدير. لذا، يجب فتح المعابر بعد اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة.

من جهته، أكد الناطق الرسمي باسم اعتصام الكرامة، المحامي محمد سليمان دحلا: ” أن من الواضح الإصرار على فتح المعبر في هذا التوقيت يحمل أبعاداً سياسية أكبر بكثير من الأبعاد الاقتصادية؛ فهو يأتي في سياق موجة التطبيع الدولي مع نظام الإجرام في دمشق، وعلى وجه الخصوص خطوات التطبيع التركي. ومن الواضح أن قرار فتح المعبر هو قرار تركي بحت، وهو انتقال من تصريحات الانفتاح ومغازلة بشار الأسد إلى الخطوات العملية للتطبيع كبادرة حسن نية بين يدي اللقاء المزمع بين الأسد وأردوغان.

والرفض الشعبي لفتح المعابر الرسمية ليس جديداً، ويتكرر باستمرار، لأن الشعب مستمر على مبادئ ثورته وأهدافها، ويرفض مبدأ المصالحة مع نظام الأسد رفضاً قاطعاً، بل يطالب بمحاكمته عن المجازر وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتدمير والتهجير وبيع سوريا ومقدراتها للمحتل الأجنبي، وهذه بحد ذاتها تشكل جريمة الخيانة العظمى.

وأضاف دحلا: “مفاسد فتح المعبر من الكثرة بمكان يصعب معه الحديث عن أية مصالح. وأهمها المفسدة السياسية المتمثلة بوأد الثورة وتصفيتها بعد أن تسببت المعارضة بتجزئة الحل السياسي والتنازل عن هيئة الحكم الانتقالي واختزال الحل السياسي بلجنة الدستور المنبثقة عن مؤتمر سوتشي وتفاهمات الأستانا بين روسيا وتركيا ومعهم إيران. فتلك اللجنة التي فشلت على مدى سنوات في كتابة كلمة واحدة في الدستور قبل أن تقرر روسيا إيقافها لم تكن سوى منحة للأسد لترتيب أوراقه وابتزاز الدول العربية بالكبتاجون، وانتهاز الفرص الدولية بدعم من حلفائه لفك عزلته وإعادة شرعيته وتعويمه.

من هنا كان المطلب الشعبي لاعتصام الكرامة بإلغاء الائتلاف ومفرزاته بسبب سلب قراره وارتهانه لإرادة الدول، وتحوله مآلاً مع الحكومة المؤقتة إلى منصة بيد الحكومة التركية تقدم الأولويات التركية على الأولويات الوطنية السورية للثورة وحاضنتها. بالتالي، لا يمكن تجزئة الموضوع وحصره بمجرد فتح معبر ومنافع مزعومة قد تترتب عليه كما تم تجزئة القرار 2254 إلى سلال ديمستورا الأربع ذات الثقوب الكبيرة برضا الائتلاف وهيئة التفاوض، والتي أوصلت إلى تلاشي الحل السياسي واندثار مرجعياته.”

وأضاف أيضاً دحلا أن الشارع الثائر لا يلتفت لمن تسميهم بالجهات المسؤولة، سواء حكومة مؤقتة أو مجلس محلي، فهو يرى أن كل شيء بيد المنسقين الأتراك ولا يعنيه المحاصصات حول الموارد المحتملة وأطرافها، ولا ثقة له بالحكومة المؤقتة التي تفتقر لأي مرجعية تسائلها وتحاسبها وتراقب عملها، ولم يعد لديه أي أمل بإصلاح تلك المؤسسات الغارقة بالفساد والتبعية والارتهان.

وأكد على استمرار المعتصمين في ساحات الكرامة، مصرين على الاحتجاج والاعتصام السلمي حتى تحقيق الأهداف التي رفعوها في ساحات الاعتصام، ومن بينها رفض التطبيع ومنع فتح المعابر. ونأمل أن تكون الرسالة قد وصلت لصانع القرار في تركيا، وأن يتوقف عن استفزاز الشعب الذي قدم تضحيات تفوق الوصف ولم يعد لديه ما يخسره. لا زلنا في مرحلة الاعتصام الجزئي والوقفات والتظاهرات، وإن لزم الأمر هناك إمكانية لتطوير الاعتصام إلى اعتصام مفتوح، وهناك العديد من الوسائل السلمية الشعبية الأخرى إذا لزم الأمر

من جهته، يقول الكاتب الصحفي سامر العاني لوكالة الصحافة السورية: “أعتقد أن أحد أهم أسباب ارتفاع الأسعار في المنطقة هو الأجور المرتفعة التي تفرضها الفصائل العاملة في التهريب على سيارات البضائع المهربة. وبالتالي، فإن دخول البضائع، وعلى رأسها الأدوية، من خلال معبر رسمي سيسهم في انخفاض كبير في الأسعار. فتح المعبر لا يعني بالضرورة تطبيع العلاقات مع المجرم بشار الأسد؛ فما دام الثوار ما زالوا يحملون فكر الثورة وروحها، لن تمتد يد الأسد إلى المناطق المحررة.

وأضاف العاني: “أرى أن افتتاح المعبر لن يؤثر سلبًا على المناطق المحررة أبدًا، بل سيكون السكان في تلك المناطق هم المستفيد الأكبر من هذا الفتح. ومن يعتقد أن الأسد وحلفاءه الإيرانيين يرغبون في فتح المعبر فهو مخطئ؛ فالنظام السوري وإيران قصفوا معبر أبو الزندين عدة مرات بهدف إغلاقه. المعادلة بسيطة: تركيا وروسيا، يرغبان في فتح المعبر، بينما إيران والأسد لا يريدانه. وبالتالي، رفضنا لفتح المعبر يحقق رغبة من؟ هناك أطماع شخصية لدى بعض قادة الفصائل الذين يرفضون فتح المعبر، وذلك بهدف الإبقاء على منافذ التهريب أو تحصيل حصص أكبر من واردات معبر أبو الزندين”.

واختتم العاني بقوله: “لا أرى أن المؤسسات بوضعها الحالي قادرة على إدارة مثل هذا المعبر. لذلك، يجب وضع مقاربة مختلفة لإدارته، وتشكيل إدارة خاصة بمعبر أبو الزندين من خارج المؤسسات الحالية، تتمتع بالكفاءة والمهنية العالية. ويجب ألا ننسى أن الهدف الرئيسي من فتح معبر أبو الزندين هو إلغاء أهمية منبج لدى قسد كعقدة للتبادل التجاري في سوريا، وتحويل تلك الأهمية إلى مدينة الباب، مما قد ينعش المنطقة اقتصاديًا.

ويبقى السؤال: نظام الأسد لديه معابر حدودية مع العراق ولبنان والأردن، فلماذا لا تفتح تركيا معبر كسب الحدودي مع نظام الأسد؟ مع العلم أن معبر كسب يعتبر من أهم المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا للتجارة والسفر، وهو المعبر الوحيد الذي يديره نظام الأسد على الحدود التركية. لماذا تغلق تركيا معبرها الرسمي وتصر على افتتاح معبر مع نظام الأسد من داخل الأراضي السورية؟

إذا كان الشمال السوري بحاجة إلى معابر رسمية، فما هي الضوابط المطلوبة ومن هي الجهة القادرة على إدارة هذه المعابر، سواء مع النظام أو قسد؟ وهل يمكن تحقيق استفادة اقتصادية من خلال عبور شاحنات الترانزيت من تركيا إلى مناطق النظام أو قسد لتحقيق مكاسب مالية للمنطقة، أم أن تركيا، التي تسيطر فعلياً على المنطقة، لن تدفع ضرائب ترانزيت؟ وهل يمكن للجهات المسيطرة حاليًا حماية هذه المعابر بشكل فعال، أم أننا سنشهد تكرار تجربة معبر الحمران الذي سيطرت عليه هيئة تحرير الشام بطريقة غير مباشرة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى