مقالات الرأي

عقلية مدينتنا وبلدتنا ووضعيتنا الكارثية

عقلية مدينتنا وبلدتنا ووضعيتنا الكارثية

هذه العقلية ليست وليدة الظروف العابرة أو نتيجة شارع يتجاهل الواقع الحالي. هي تجسيد لمفاهيم وممارسات تراكمت عبر السنوات الماضية ولم يتم معالجتها من قبل القادة المجتمعيين وأصحاب القرار في المجتمع.

رسالتي إلى من كتب تلك اللافتة التي تقول: “نرفض التدخل في شؤون مدينتنا”، عندما استقبلنا أهلنا المهجرين من مدينة الباب الكرام في مدينة حلب، لم نسمح لأي كان أن يتطاول عليهم. فتحنا أبواب منازلنا في أحياء حلب الشرقية، وثوار مدينة الباب الشرفاء يعلمون تمامًا هذا الأمر. والآن، ما يحدث من تطاول على حقوق المهجرين من خلال “لافتات العار” التي تمثل فقط من كتبها ومن حملها، ولا يرضى بها أهل هذه المدينة لأنهم يرفضون هذا الخطاب المناطقي المقيت.

عندما هُجِّر أهل مدينة الباب إلى أرياف حلب، استمر وجود المجلس المحلي لمدينتهم ووجهائها وباقي الكتل الثورية كما هي في ريف حلب الشمالي، ولم يقل أحد لهم: “يجب عليكم عدم التدخل في شؤون المدينة كونكم لستم من أبناء المدينة”. وثوار سوريا عمومًا لا يمكنهم تقبل هذا الخطاب الذي يُعتبر بالنسبة لهم خطاب العار.

ثوار الباب الذين خرجوا في ساحات الحرية والكرامة عام 2011 شاركوا في معارك التحرير من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، لأنهم يطمحون إلى رؤية سوريا حرة، وهدفهم كباقي السوريين الأحرار هو إسقاط نظام بشار الأسد. لم يتوقفوا عن القتال بعد تحرير مدينتهم، ولم يسكتوا عن الظلم الذي تعرض له السوريون في أي مكان. ومعركة القصير بريف حمص خير شاهد، حيث شارك العشرات من أبناء هذه المدينة الطيبة في معركة دحر الميليشيات الطائفية التي كانت تهدف للسيطرة على مدينة القصير ومن ثم أرياف حمص.

من شارك في تحرير مدينة الباب من تنظيم داعش هم السوريون من عدة محافظات ومدن سورية، ولم يقل أحدهم: “هذه ليست مدينتي” أو “لن أضحي بنفسي لأنها ليست بلدي”.

من الجداريات التي كتبت في مدينة الباب

اختلطت دماء السوريين وعاداتهم وتقاليدهم في هذه المدينة، والكثيرون يعتبرونها موطنهم الثاني. بعضهم عندما يذهب إلى مدينة أخرى لبضعة أيام يشعر بالشوق للعودة إلى هذه المدينة التي احتضنتهم، لأنها أصبحت جزءًا من ذاكرتهم بعد تهجيرهم من مدنهم وبلداتهم التي احتلتها الميليشيات الطائفية من لبنان والعراق وإيران.

لماذا أقول هذه المفاهيم والممارسات؟ لأنها بدأت في الظهور بعد تحرير مدينة الباب، عندما قام مجهولون بكتابة عبارات لا تمت بصلة لأهل المدينة على جدرانها: “يا غريب إما أن تبقى أديب أو بدنا ندوسك بالصرماي”. وكان السكوت عن هذه الممارسات أدى إلى تكريس مفاهيم خاطئة بأن هذه المدينة لأبنائها فقط، وليس للمهجرين الحق في التدخل بأي شيء.

ولن أطيل في الشرح عن تجربتي في العيش في هذه المدينة، التي لم تدم أكثر من سنة واحدة، وبعدها انتقلت إلى مدينة أخرى، علمًا أن عائلتي من هذه المدينة.

هذه الظاهرة تعم معظم المدن المركزية في الشمال السوري. عندما تكون هناك مجالس محلية لا تضم أو تسمح بتمثيل للمهجرين ضمن أعضاء المجلس المحلي، أو عندما تكون المجالس المحلية قائمة على أساس العائلية والمحسوبية، ينتج مجتمع يعتقد أن مدينته خاصة به ولا يحق لأحد التدخل في شؤونها.

عندما تُفتح مؤسسة حكومية أو منظمة أو أي دائرة عامة في أي مدينة، يعتقد أبناء هذه المدينة أن لهم الحق في اتخاذ القرار وأن يكونوا أصحاب القرار ضمن هذه المؤسسة لأنها تقع ضمن نطاقهم الجغرافي، فهذا يعزز إقصاء الآخرين، خاصة المهجرين الذين لديهم الحلم بالعودة إلى ديارهم.

هناك العديد من الممارسات التي يمكن التطرق إليها، ولكن دعونا نتساءل: ماذا لو تعاملت باقي المدن والبلدات بنفس الطريقة؟ ماذا لو قرر أبناء الراعي واخترين إغلاق الطرق أمام السيارات المحملة بالبضائع؟ كيف سيكون رد فعلكم؟ إذا نظروا إلى الأمور من نفس منظوركم، أليس لهم الحق في ذلك؟

ماذا لو قرر أبناء إعزاز أو عفرين أو جرابلس منع وصول السيارات التجارية القادمة من تركيا إلى باقي المدن السورية، التي تعج أسواقها بالبضائع التي تصل من تركيا والمدن والبلدات السورية. هل يمكن لنا كسوريين أن نقبل بالقول إنهم أحرار في شؤون مدينتهم؟

على العقلاء ووجهاء هذه المدينة الطيبة، مدينة الباب المعروفة بكرمها والتي لم تبخل بأبنائها الذين ناصروا السوريين على بعد مئات الأميال، أن يوقفوا هذه الممارسات التي تهين عراقة وتاريخ المدينة وتنسف تضحيات أبنائها. يجب معالجة هذه الظاهرة التي تفرق السوريين الذين اجتمعوا على هدف واحد: إسقاط نظام الأسد وإقامة دولة القانون والعدل.

اقرأ أيضاً: قريباً.. اللغة الروسية في منهاج المدارس السورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى