في خطوة أعادت للثورة السورية وهجها الميداني وأملها السياسي، أطلقت الفصائل الثورية في الشمال السوري عملية “ردع العدوان”. هذه العملية لم تكن مجرد تحرك عسكري تقليدي، بل كانت إعلانًا واضحًا أن الثورة التي حاول النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون والروس القضاء عليها لا تزال قادرة على المبادرة والمفاجأة.
العملية، التي أسفرت عن استعادة مواقع استراتيجية مثل الأكاديمية العسكرية ومطار كويرس، جاءت في وقت حساس، حيث يتداخل التراجع العسكري للنظام مع ضغوط سياسية إقليمية ودولية. فقد شكل انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، إلى جانب التوترات المتزايدة بين موسكو وطهران بشأن النفوذ في سوريا، فرصة ذهبية استغلتها المعارضة لإعادة ترتيب أوراقها، والانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم.
ما يميز هذه العملية ليس فقط نتائجها الميدانية، بل الرسائل التي تحملها. أولها أن الثورة السورية، رغم السنوات الطويلة من القصف والدمار، لا تزال تملك روح المقاومة. وثانيها أن إيران، التي طالما بدت وكأنها تمسك بخيوط اللعبة في سوريا، باتت تواجه تحديات حقيقية على الأرض، حيث عجزت عن التصدي للهجمات المتصاعدة رغم إرسال تعزيزات عاجلة.
التوقيت لم يكن محض صدفة. يبدو أن المعارضة قرأت المشهد الدولي بدقة، واستفادت من تراجع الدعم الجوي الروسي للنظام وضعف تركيزه على الساحة السورية. كما أن الدور التركي، وإن كان غير معلن، يظهر بوضوح من خلال التسهيلات اللوجستية وتنسيق العمليات في مناطق خفض التصعيد.
مع ذلك، فإن هذا النجاح الميداني يفتح الباب لتحديات كبيرة. كيف يمكن للمعارضة الحفاظ على مكاسبها في ظل التغيرات الإقليمية والدولية؟ وهل ستتمكن من استثمار هذه الانتصارات سياسيًا أم أن الانقسامات الداخلية، التي طالما أضعفتها، ستعود للظهور؟
من جهة أخرى، يبرز تساؤل محوري: ما مدى قدرة هذه العمليات على تغيير المعادلة الكبرى للصراع في سوريا؟ فالنظام السوري لا يزال يملك أوراقًا قوية، والدعم الإيراني والروسي، رغم تراجعه، لم ينقطع كليًا. كما أن المجتمع الدولي، المنغمس في أزماته الاقتصادية والسياسية، لا يبدو مستعدًا لتقديم دعم فعلي يعيد إحياء الزخم الثوري.
ولكي تستفيد المعارضة مما قامت به ومن الانتصارات على الأرض وتستطيع الضغط على المجتمع الدولي، عليها الانضباط ودوام التوحد تحت قيادة عمليات واحدة وعدم الانجرار إلى معارك جانبية. كما أنه يجب عليها إثبات قدرتها على إدارة الأماكن الجديدة التي حررتها والتعامل الجيد مع المكونات السورية بكل أطيافها العرقية والدينية، لأن ذلك هو المحك الرئيسي للمعارضة، وهو ما يضعه المجتمع الدولي تحت مجهره.
لهذا، فإن “ردع العدوان” ليست مجرد معركة على الأرض، بل هي اختبار جديد لقدرة الثورة على التحول إلى مشروع وطني جامع يتجاوز الحسابات الفصائلية، ويبني على الانتصارات الحالية لتحقيق رؤية سياسية واضحة. السؤال الذي يبقى معلقًا هو: هل ستكون هذه العملية نقطة تحول حقيقية، أم مجرد جولة أخرى في صراع طويل يبدو بلا نهاية؟
اقرأ أيضاً: تركيا: الهجمات في سوريا ليست تدخلاً خارجياً
دعا رائد الصالح، مدير منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ…
أعلنت الفصائل العسكرية في غرفة عمليات "ردع العدوان"، تحقيقها سلسلة من الانتصارات الميدانية في ريف…
أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الثلاثاء، تنفيذ سلاح الجو الأميركي ضربات استهدفت ما وصفته بـ"جماعات…
تمكنت إسرائيل اليوم الثلاثاء 3 كانون الأول، من اغتيال قيادي بارز في ميليشيا حزب الله،…
طلب بشار الأسد من إسرائيل، المساعدة في مواجهة المعارضة السورية والفصائل العسكرية التي دحرت قواته…
بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، آخر التطورات على الساحة…