Categories: قصص

رحلة الموت والنجاة

رحلة الموت والنجاة

في زمن تتلاطم فيه أمواج الحياة بقسوة وتتقاذفهم رياح الظروف القاهرة نحو شواطئ المجهول يبرز من بين زوايا الألم واليأس قصص النجاة التي تبعث في النفوس الأمل “قصة ناجي من الاعتقال” ليست مجرد قصة نجاة جسدية من براثن الموت بل هي رحلة إنسانية عميقة تختبر معاني الحرية الإرادة والإصرار على الحياة
تتجلى في هذه الرحلة معاناة الروح والجسد حيث يصبح الاعتقال رمزًا لكل ما هو مقيد ومكبل وتصبح النجاة معادلةً للتحرر والانعتاق إنها قصة كفاح تروى بلسان من عاشوا لحظات الموت ولمسوا حافة الهاوية لكنهم بفضل الإيمان والأمل استطاعوا أن ينتزعوا أنفسهم من قبضة القدر المظلم الذي حل على سوريا ليعودوا من رحلة الموت لتبدأ معاناة النجاة ومعاناة البحث والوصول حدثني عن رحلة الموت : سند المحمد من ريف ادلب ناجي من الاعتقال مدرس متزوج ولديه 5أولاد دام اعتقاله 7 سنوات تنقل فيها بين الأفرع الأمنية والسجون


أثناء توجهي مع بعض المدرسين نقصد دائرة التربية في المدينة استوقفنا حاجز وقام بإنزالي بزريعة أنني أعمل في مدرسة ضمن مناطق سيطرة الفصائل المسلحة وأقوم بتدريس أبناء هذه المنطقة وأقدم الدعم لهم على حد زعمهم
وبدأت رحلة الموت الممزوجة بالإهانة والشتائم والضرب وسوء المعاملة التي رافقتني من اللحظة الأولى للاعتقال إلى نهاية ٧أعوام من الألم الجسدي والنفسي والخوف والحرمان أستذكر اليوم الأول لي في المنفردة كأنها قبر صغير ضمن مقبرة كبيرة حلها فيها الخوف والظلام فلا صوت يعلوا إلا صوت الجلاد منادياً الأشخاص بأرقامهم لا بأسمائهم كنت أسمع صوت آهات الألم من المنفردات المجاورة لمنفردتي هنا تنتهي الحياة ويتقلص التفكير وتفقد التركيز في ما يحدث من حولك لا أعلم شي عن الوقت الا ما أستذكره صباحاً يقوم السجان بإخراجنا الى الحمامات وسط الصراخ والضرب والشتائم لديك دقيقة واحدة فقط للعودة إلى المقبرة المنفردة المظلمة الضيقة المليئة برائحة العفونة ورائحة الموت شهر كامل ضمن هذه المنفردة رسم في مخيلتي صورة عن الجحيم لا تمحا ما حيت
صوت المحقق مازال عالقاً في أذني ستموت هنا أخبرنا وتكلم كيف كنت تساعد الناس وتقوم بدعمهم
تذوق طعم الحرية الآن ويقوم بضربي بما أتيح له من قوة وأين ماحل غضبه على جسدي دون رحمة ورأفة
وأضاف سند: كنت أعيش دوامة من التفكير يومياً بين أسرتي وأولادي وبين مستقبلي ومصيري المجهول توجهت بسؤال اليه ماهي أصعب المواقف التي مررت بها؟ أجابني بحرقة من الألم :
شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى من كل عام كان عذاباً لي لا يقل عن العذاب الجسدي
في كل يوم من هذه الأيام أستذكر أهلي وزوجتي وأولادي أستذكر كل اللحظات السعيدة التي عشتها خارج الزنزانة بين دموع الألم وحسرة الفراق وخوف من المجهول كانت تتحول هذه الأيام والشعائر المقدسة إلى كابوس يضاف إلى الواقع اليومي المزعج الذي أعيشه في السجن
ويضيف قائلاً: لم أفكر يوماً أن أصل إلى مرحلة اليأس التي تقودني للسؤال كيف الخلاص من جحيم هذه الحياة داخل السجن وكيف لي العيش مع من في داخله بين مجرم ومظلوم أقف للحظة أستذكر الحياة خارج هذه الجدران وأستمد الصبر من إيماني بأنها أيام وتقضى لم أعد ذلك المدرس الطموح للمستقبل والحياة بما أصابني من الألم والتعب والظلم
فالحياة داخل السجون والأفرع الأمنية نهايتها المرض والموت والنجاة حلم لا يستطيع تحقيقه إلى القليل ممن حالفهم الحظ
حتى أثناء تنقلي بين الفروع الأمنية أمن الدولة والفرع 285 وفرع الشرطة العسكرية ثم الانتقال إلى السجون كنت أسمع وأشاهد آلاف القصص من معاناة السجناء فظلام السجون والظلم فيها كفيل بأن يجعلك شخص آخر لا تفكر الا بطعامك وشرابك وهل سأنجو من العقاب ام لا .
وأضاف قائلاً في أول يوم من حريتي بعد الاعتقال بين فرح بحريتي وخوف من طريق النجاة
أنظر إلى الحياة خارج جدران السجن
أنه الخطوة الأولى من حريتي أحدث نفسي كيف السبيل للوصول وكيف لي أن أتنقل في مناطق سيطرة النظام حتى أصل وجهتي
استمر طريقي 3 أشهر بين مخاطر الحواجز والتنقل وطريق التهريب حتى أصل
فالصدمة الأولى لي كانت عند وصولي إلى وجهتي الأولى قريتي وجدتها خالية من الحياة لا يوجد بها أحد كحال القرى المجاورة كل ما فيها مدمر وكأن القيامة قد عصفت بها
وتنقلي بين مدينة وأخرى وبحثي عن من يخرجني من هذه المناطق
بين رحلة مليئة بالخوف على الحواجز وبين التعامل مع تجار البشر المهربين فأنا بين فكي الكماشة الخوف من الحواجز وبطش الأجهزة الأمنية وبين استغلال وطمع المهربين وخطورة الطريق والتنقل من منطقة إلى أخرى فكل منطقة لفصيل وجهة واشتباكات مستمرة بينهم .
ففي رحلة العبور من مناطق سيطرة النظام إلى المناطق المحررة ذقت فيها مرارة لا تقل عن مرارة السجن
وكأنها رحلة العبور إلى أوروبا
كان المهرب كسجان يجمعنا في غرفة صغيرة ويقوم بنقلنا إلى أشخاص ومن ثم اعادتنا ويقول الطريق مغلق وهناك اشتباكات
وأخذ المال منا ثمن إقامتنا لديه وعبورنا مناطق سير على الأقدام حتى أننا ركب قارب أشبه بقوارب الموت للعبور من مسكنة إلى منبج عبر بحيرة الأسد
القارب مليء بالنساء والأطفال والشباب الذي يريدون مغادرة جحيم هذا البلد والطريق مليئة بالمخاطر في وقت دام ٥ ساعات في كل ساعة كنت أظنها انها نهايتنا ظلام الليل وصوت الأمواج العالية والمياه التي كانت تصل أحيانا إلى داخل القارب وصراخ النساء والأطفال كابوس ننتظر بعجلة وحرقة لانتهائه.
وتستمر المعناة في الصعوبة و التنقل بين القرى التي تخضع لقوات سوريا الديمقراطية لتكون الوجهة الأخيرة أول القرى المحررة التابعة لجرابلس وبداية المناطق المحررة
فهنا حواجز موضوع عليها علم الثورة وهناك جبال مليئة بالمخيمات
المنتشرة حتى على أطراف الطريق إلى وصولي مخيمات إدلب
لأجد أهلي وعائلتي بانتظاري بين دموع الفرح وحرارة اللقاء بعد رحلة الموت والنجاة.

اقرأ ايضاً: نظام الأسد يعتقل اللاجئين الذين تعيدهم لبنان قسراً

أنس الشيخ أحمد

Recent Posts

إجتماع أمني في دير الزور: حظر أجهزة الاتصال اللاسلكي

اجتمع قادة ميليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، مع مسؤولي ميلشيا "حزب الله" اللبناني و ميليشيا "حزب…

11 ساعة ago

مجموعات أهلية تصادر دراجات نارية لحماية طلاب السويداء

صادرت مجموعات أهلية في محافظة السويداء عدة دراجات نارية من أمام أبواب مدارس المدينة.

11 ساعة ago

تسجيل 6 حالات اعتقال في الرقة خلال أسبوع على يد ميليشيا قسد

تواصل ميليشيا قسد وأذرعها الأمنية الانتهاكات بحق المدنيين في مناطق سيطرتها.

12 ساعة ago

حزب الله يجري تدريبات مع قوات نظام الأسد في ريف دمشق

أجرى "حزب الله" اللبناني, بالتعاون مع قوات النظام السوري، تدريبات خاصة لعناصرهما في ريف دمشق،…

يوم واحد ago

ما الذي جرى في فعالية الائتلاف الوطني في ناحية جنديرس شمال حلب؟

فعالية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في ناحية جنديرس بريف عفرين شمال حلب

يوم واحد ago

إنتهاكات مستمرة من قبل الميلشيات الإيرانية في سورية

استولت الميليشيات الإيرانية على منازل جديدة في البوكمال بأوامر من قيادي إيراني، وسط تطور جديد…

يوم واحد ago