نشر المجلس السوري البريطاني يوم الأربعاء 19/6/2024 تحقيقًا عن جرائم الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، أجراه فريق من المجلس السوري البريطاني برئاسة الباحثة د. ياسمين النحلاوي وعضوية كل من المحققين: محمد شحادة، م. يافا، د. هيثم الحموي، وسيما نصار، وترجمه إلى العربية محمد شحادة.
وقد كشف ووثق هذا التحقيق أدلة جديدة تدين أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة سوريا بارتكاب جرائم حرب ضد زملائهم في جامعة دمشق بين عامي 2011 و2013 إبان الثورة السورية. وقد استمر التحقيق مدة عامين، وصدرت نتائجه التي أقرت بأن “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا يعد ذراعًا للأجهزة الأمنية السورية داخل حرم الجامعة، إذ يقوم أعضاؤه بالدوريات الأمنية في قاعات المحاضرات ومجمعات السكن الجامعي وتوقيف الطلاب وتعذيبهم داخل مرافق الجامعة، وتسليمهم بعد ذلك للأفرع الأمنية”.
رغم أن التحقيق مهم وقد خلص إلى نتائج حقيقية يعرفها أغلب السوريين ومن درس منهم بالجامعات السورية على وجه الخصوص، لأنهم يعلمون أن هذا الاتحاد ومن تسلموا قيادته العليا في دمشق أو في أي فرع من فروعه على امتداد الساحة السورية هم من البعثيين المعينين من قبل المخابرات والمنتقين حسب المواصفات التي تريدها دوائر المخابرات ومن قبلها قيادة الحزب التي هي كذلك منتقاة من المخابرات.
فقد تأسس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا عام 1963 وتمت قوننته في عام 1966 بموجب المرسوم التشريعي رقم 130 الذي نص على أن الاتحاد هو الممثل الوحيد للطلبة الجامعيين في سوريا والطلبة السوريين في الخارج. وبقي كذلك كمنظمة تابعة للقيادة القطرية لحزب البعث، وقد كان يشمل جميع شرائح الطلاب والتلاميذ في سوريا. وكانت أهدافه المعلنة هي:
- الإيمان بأهداف الأمة العربية في الوحدة العربية والحرية الفكرية والعيش المشترك.
- تعزيز روح انتماء الجماهير الطلابية إلى الوطن، والولاء لقائده، وتعميق روح الوطنية والإسهام الكامل في تعزيز بناء الوحدة الوطنية.
- الإسهام الفعال في الحياة الجامعية وتحقيق شعار ربط الجامعة بالمجتمع، والدفاع عن مصالح الطلبة.
- العمل على إتاحة الفرصة أمام أبناء الكادحين لإتمام تحصيلهم الدراسي.
- مواجهة الرجعية بكل مظاهرها وأدواتها.
- إعداد الطلبة فكريًا، والدفاع عن مكتسبات ثورة 8 آذار، والإسهام في بناء مجتمع التقدم.
- العمل على تحقيق وحدة الحركة الطلابية العربية، ودعم حركات التحرر العالمية، ومكافحة النشاط الاستعماري والصهيوني والتفرقة العنصرية.
من خلال قراءة هذه الأهداف، يتبين لنا الارتباط الوثيق بين هذه المنظمة وحزب البعث. ثم تم توسيع وتعديل قانون الاتحاد ليشمل الطلاب السوريين خارج القطر. وجاء المرسوم 23 لعام 1970 الذي حصر عمل الاتحاد بشريحة الطلاب الجامعيين، وقرر تخصص “اتحاد شبيبة الثورة” بشريحة الطلاب ما دون الجامعيين. ثم تم إنشاء منظمة طلائع البعث عام 1975.
منذ صدور المرسوم 23 وحتى اليوم، نلاحظ ارتباط الاتحاد (قانونيًا) الشديد الوضوح بالقيادة المركزية لحزب البعث، و(هيكليًا ووظيفيًا)، على الرغم من وجود الجبهة الوطنية التقدمية التي ينص قانونها على عدم دخول الأحزاب غير البعث إلى سلك الجيش والشرطة والطلبة. وقد تعهدت تلك الأحزاب بعدم وجودها بين الطلبة حفاظًا على وحدتهم وعدم تشرذمهم كما نصت المادة التاسعة من ميثاق الجبهة. وبالرغم من صدور قانون الأحزاب عام 2011 الذي سمح بتأسيس الأحزاب والممارسة الحزبية في سوريا، والتعديل الدستوري الذي تبعه لاحقًا عام 2012 الذي ألغى مادة أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، فإنه لم يتغير شيء.
إذا تتبعنا قيادات الاتحاد جميعهم منذ تأسيسه وحتى اليوم، نراهم بعثيين وتدرجوا بالمناصب القيادية. على سبيل المثال لا الحصر، نرى أن حامد الحسن أصبح رئيسًا للاتحاد، وهيثم ضويحي وزيرًا، وعمار ساعاتي عضوًا للقيادة القطرية. ومن الفروع كذلك، فإن من تدرج في صفوف الشبيبة والاتحاد وتربى على أيدي فروع الأمن وتمرس في قمع زملائه ومن حوله، وصل إلى أعلى سلم القيادة في سوريا كعضوية القيادة القطرية، ورئاسة مجلس الشعب، ورئاسة الوزراء، أو الوزارات، والكثير من المناصب. كما أن هذه المنظمة ارتبط أعضاؤها بقدومهم من الشبيبة ومن المظليين في فترة من الفترات، عندما كان المظليون والشبيبيون ينالون قبولات جامعية استثنائية وذلك بإضافة 45 علامة للمظلي و25 علامة للعضو العامل الشبيبي التي ألغيت لاحقًا لتصبح علامات لا تتجاوز أصابع اليد بعد أن تمت السيطرة على الطلاب بهذه المنظمات وبالإغراءات وتم تدجينهم وتبعيتهم لهذا الحزب وهذه القيادة.
أكد ذلك شفيق حمادة أحد مؤسسي اتحاد الطلبة فرع رومانيا في منشور له على الفيس بوك بقوله: “حصل لي الشرف أن أكون أحد أوائل الطلبة السوريين موفدي القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي.. بعد زيارة القائد الخالد الرئيس حافظ الأسد لرومانيا أيام 12 و 13 و 14 أيلول 1974 وعودة العلاقات بين الجمهورية العربية السورية ورومانيا وتوقيع عدد من الاتفاقيات الحزبية والحكومية.. فوصلت رومانيا مع 9 طلاب بعثيين من سوريا ولبنان واليمن والسودان وفلسطين. فقد كنا 3 سوريين أنا وفهد صوان من شهبا وعيسى الحسن من الرقة.. لم يكن هناك فرع لاتحاد الطلبة بل كان هناك عدد من الطلبة السوريين الشيوعيين ضمن رابطة الطلبة السوريين وكان هناك عدد من السوريين الذين حصلوا على منح خاصة ويرأس اللجنة الطلابية الطالب سميح الجابي ويرتبطون بفرع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا في صوفيا والسفارة السورية في بلغاريا.. وكان هناك عدد من البعثيين يتبعون منظمة بلغاريا للحزب…. وكان قبل سفري اصطحبني الرفيق حامد حسن وكان رئيسًا للاتحاد الوطني لطلبة سوريا إلى القيادة القومية وأخذنا التوجيهات لتشكيل فرع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا في رومانيا وقيادة منظمة رومانيا للحزب لأول مرة .. وهذا ما حصل. بعد وصولي لرومانيا يوم 27 أيلول 1974 بقيت 3 أيام في بوخارست ثم ذهبت إلى جامعة كرايوفا لدراسة اللغة وفي أواخر شهر تشرين الأول 1974 تم تشكيل قيادة للحزب في رومانيا قيادة منظمة الحزب على مستوى فرقة برئاسة محمود طلاس فرزات ونائبه محمود إبراهيم وروز عصفورة ومحمد علي الشعار وشفيق حمادة .. وعقدنا اجتماعات من أجل الإعداد لتأسيس فرع للاتحاد الوطني لطلبة سوريا وفي نهاية شهر كانون الأول 1974 عقدنا مؤتمرًا وتم انتخاب أول مكتب إداري لاتحاد الطلبة فرع رومانيا برئاسة محمود إبراهيم نائب أمين المنظمة وشفيق حمادة نائبًا له وهو عضو في قيادة المنظمة أيضًا وفي شهر نيسان 1975 أعيد تشكيل قيادة المنظمة بعد ازدياد الطلبة البعثيين وحضور سفير جديد لسوريا ورفع مستوى المنظمة إلى شعبة وتم تشكيل المنظمة بقرار من القيادة القومية من محمود طلاس فرزات رئيسًا ومحمود إبراهيم نائبًا له ووليد المعلم عضوًا وهو السفير وروز عصفورة وشفيق حمادة أعضاء ونحن كذلك أعضاء المكتب الإداري للطلبة”.
شاهد أيضاً : محكمة حي الكلاسة تحكم على طفل بالسجن لثلاث سنوات
من خلال هذا الحديث، نلاحظ تأكيد الارتباط بين الحزب وهذه المنظمة، وأن هذا الاتحاد لا يحكمه أي قانون ولا علاقة له بالطلبة إلا من حيث الاسم ومن حيث كونه أداة تابعة للنظام ومن أدواته الأمنية التي تهتم بنقل سردية النظام للطلبة وكتابة التقارير ومراقبة الطلبة. لم يقدم الاتحاد للطلبة أي شيء منذ تأسيسه حتى اليوم. ما يؤكد هذا هو ما علاقة السفير باتحاد الطلبة وكيف يمكن أن يكون عضوًا في قيادتها، ثم ما هي علاقة القيادة القومية بهذا الاتحاد وكيف أنهى هذا الاتحاد رابطة الطلبة السوريين ليس في رومانيا وحدها بل في كل دول المعسكر الاشتراكي، حيث سبق الشيوعيون البعثيين بالتواجد هناك كمبتعثين أو منح عن طريق الأحزاب الشيوعية بكل تفاصيلها.
على ما تقدم من شرح عن الاتحاد ونشأته كمدجن للطلبة وأداة قمعية للنظام ووسيلة للسيطرة على الطلبة من الوسائل التي ابتكرها حزب البعث وقيادة النظام السوري منذ الحركة التصحيحية من إنشاء أذرع أمنية تابعة له على كافة الصعد كعسكرة الحزب بالفصائل المسلحة إلى التدريب الجامعي ونظام الشبيبة والتربية العسكرية وكذلك الطلائع، التي تتم من خلالها مراقبة التلاميذ منذ نعومة أظفارهم وتنشئتهم كما يريد القائد ودوائره الأمنية كي يكونوا قادة في المستقبل على مقاس هذا النظام. رغم كل التعديلات التي أجراها، فإنه لا يمكن أن يخرج من عباءته الأمنية التي يعتمد عليها في قمع الشعب. آخرها هو فكرة الدفاع الوطني وقطعان الشبيحة التي عاثت ولا زالت تعيث فسادًا في سوريا.
من كل هذا واستنادًا لما خلص إليه التقرير من إدانة لهذا النظام في تحقيقه الذي أجراه على جامعة دمشق، والذي بالتأكيد ينسحب على كافة الفروع وما خفي أعظم، فقد وصل التقرير إلى أن الاتحاد الوطني لطلبة سوريا قد ارتكب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في التعذيب والسجن والحرمان من الحرية، وهو ما تجرمه المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية. كما ارتكب جرائم التعذيب وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين وفقًا للمادة الثامنة من نظام تلك المحكمة.
إضافة إلى ذلك، يتحمل اتحاد الطلبة مسؤولية إضافية نتيجة تسليمه الطلاب إلى أجهزة الأمن السورية، وهي مسؤولية تتعلق بتقديم العون والتحريض على الجرائم الدولية حسب المادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة. وهذا يتفق مع حكم المحكمة المحلية في لاهاي في كانون الثاني/يناير 2024 التي اعتبرت أن تقديم يد العون للفروع الأمنية التي ترتكب جرائم داخلها هو مسؤولية جنائية، وهو ما قام به الاتحاد عندما سلم الطلاب للأمن، ناهيك عن قيام أعضائه بتعذيبهم.
هناك جرائم أخرى لم يوثقها فريق التحقيقات ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاغتصاب والعنف الجنسي وفقًا للمادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك جرائم الحرب المتمثلة في القتل والإعدام خارج نطاق القضاء والاغتصاب والعنف الجنسي وفقًا للمادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويلزم إجراء مزيد من التحقيقات لمعرفة كافة التفاصيل والملابسات.
رغم محاولات النظام تلميع صورة الاتحاد وإعادة هيكلته وفق القانون رقم (1) لعام 2024 الذي ينص على تنظيم عمل الاتحاد الوطني لطلبة سوريا كمنظمة شعبية طلابية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، إلا أننا نرى ثباتًا على مستوى القيادة التي ليس لها عمر محدد وتستمر في أماكنها بمقدار ما تقدمه للنظام من دعم. رغم تقديمه لأيادٍ ناعمة تتمثل في تسليم قيادته لامرأة هي دارين سليمان ودخول عضوين من غير البعثيين من أصل أحد عشر عضوًا في رئاسته، إلا أن العطار لن يصلح ما أفسد الدهر. فحتى هؤلاء غير البعثيين وإن اعتبرنا جدلًا أنهم من غير المرتبطين بالنظام وأجهزته، وهذا من غير المعقول لأن بنية الدولة الأمنية لا تسمح بذلك، فهم غير قادرين على التغيير والاتحاد سيبقى كما كان أحد أيادي النظام التي تعبث بالمجتمع السوري.
في النهاية، يمكن أن يؤدي هذا التقرير إلى إحداث ثغرة في جدار الصمت الدولي، على الرغم من قصوره بالنسبة للسوريين الذين عانوا من هذا الاتحاد ومن أدوات النظام الأخرى، بما في ذلك النقابات ومنظمات المجتمع المدني. هذه الكيانات لم تهدف إلى تأطير المجتمع ومنفعة أفراده، بل سعت إلى تدجينه والسيطرة عليه وقيادته كالقطيع لمصلحة نظام الجريمة والفساد المقونن. ففي سوريا، كل شيء مباح شريطة التصفيق للقائد وأجهزته القمعية.
للإطلاع على التقرير كامل إضغط هنا