مقالات الرأي

تأثير التغلغل الإيراني وأثره على الأمن والاستقرار في المنطقة

تأثير التغلغل الإيراني وآثاره على الأمن والاستقرار في العالم العربي

تخيل أن تستيقظ ذات صباح لتجد أن بلدك قد تحول إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، وأن مصيرك ومصير أطفالك قد أصبح رهينة لأجندات خارجية        

هذا هو الواقع الذي يعيشه ملايين العرب اليوم، بسبب التغلغل الشيعي الإيراني المتزايد في المنطقة.

فكيف وصلنا إلى هذه النقطة؟

وما هي التداعيات المترتبة على هذا التغلغل؟

أسئلة كثيرة تطرح نفسها، وسنحاول في هذا المقال الإجابة عليها، وتقديم رؤية شاملة لهذه الظاهرة المعقدة.

يشهد العالم العربي اليوم تحديات وجودية حقيقية، حيث تتعرض وحدته ونسيجه الاجتماعي لضغوط متزايدة من قوى خارجية تسعى لزعزعة استقراره. من أبرز هذه القوى إيران، التي تسعى عبر وكلائها وميليشياتها إلى فرض هيمنتها على المنطقة، مستغلة الانقسامات الطائفية والمذهبية. هذا التوغل الإيراني لا يهدد فقط الأمن القومي العربي، بل ينذر بتحويل المنطقة إلى ساحة صراع طويل الأمد، ويهدد بتقسيمها إلى دويلات متناحرة.

تُسهم الأنشطة التي تنفذها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في زعزعة الاستقرار في العديد من الدول العربية، مما يشكل تهديداً استراتيجياً لوحدة هذه الدول. هذا التهديد يتجاوز الخلافات الدينية التقليدية ليصبح قضية سياسية وأمنية عميقة، حيث يرتبط عدد كبير من الشيعة العرب بولاءات تتجاوز الانتماء الوطني لصالح الأجندات الإيرانية التوسعية.

بين الولاء الطائفي والهوية الوطنية

الفرق الجوهري بين أغلبية المواطنين العرب السنة والشيعة لا يتمثل فقط في العقيدة الدينية، بل يمتد ليشمل مفهوم الولاء والانتماء. بينما يضع العربي السني مصلحة وطنه فوق كل اعتبار، نجد أن العديد من المواطنين الشيعة غالباً ما يرتبطون بمرجعياتهم الإيرانية كأولوية، مما يخلق انقساماً خطيراً في الولاءات داخل الدولة الواحدة.

في هذا السياق، يصبح مفهوم الوطنية عند العديد من الشيعة ضعيفاً أو حتى معدوماً، حيث يطغى الولاء الطائفي لإيران على أي انتماء للوطن. هذا الولاء الطائفي يجعلهم أداة في يد النظام الإيراني، الذي يسعى من خلالهم إلى تنفيذ سياسات تهدف إلى زعزعة استقرار الدول العربية وتحقيق نفوذ إقليمي أوسع. هذا ما نشهده في دول مثل لبنان والعراق واليمن، حيث أصبح الشيعة فيها واجهة لمصالح إيران، على حساب استقرار تلك الدول وشعوبها.

الجذور التاريخية للصراع الطائفي

لفهم الديناميكيات المعقدة للصراع الطائفي في المنطقة بشكل أدق، من الضروري استحضار جذور هذا الصراع من خلال مقاربة تاريخية شاملة. إن الصراعات الطائفية في الشرق الأوسط ليست ظاهرة جديدة؛ بل تمتد جذورها عبر القرون، مما يجعل من دراسة تاريخها الطويل وسيلة مهمة لفهم الأسباب العميقة والتطورات المتشابكة التي ساهمت في تشكيل الواقع الراهن. هذه المقارنة التاريخية تسلط الضوء على العوامل الأساسية التي ساعدت في تأجيج الصراع وإدامته على مر العصور.

الصراع السني-الشيعي

يرجع الصراع السني-الشيعي إلى جذور تاريخية تعود إلى القرن السابع الميلادي، حيث يُعتقد أن مؤامرة عبد الله بن سبأ كانت من العوامل التي ساهمت في إشعال الفتنة الكبرى، والتي أدت إلى انقسام المسلمين بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان. نشأ الخلاف بين الخليفة الرابع، علي بن أبي طالب، ووالي الشام معاوية بن أبي سفيان حول القصاص من قتلة عثمان، وسرعان ما تحول إلى نزاع سياسي حول شرعية الخلافة في الأمة الإسلامية. تعمّق هذا الخلاف بعد مقتل آل البيت في واقعة كربلاء، مما أدى إلى انقسام المسلمين إلى مجموعتين رئيسيتين: السنة والشيعة.

يؤمن السنة بأن الخلافة يجب أن تكون لأبي بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، وأخيراً علي بن أبي طالب، بينما يرى الشيعة أن علي بن أبي طالب وذريته هم الأحق بالخلافة. بعد مقتل الحسين بن علي في كربلاء عام 680 ميلادي، بدأت الدولة الأموية في قمع جميع الحركات المناوئة لحكمها، خاصة تلك التي كانت تطالب بأحقية آل البيت في تولي الخلافة. استمر هذا القمع حتى سقوط الدولة الأموية في عام 750 ميلادي، حين تمكن العباسيون من الإطاحة بالأمويين وتأسيس الدولة العباسية، معلنين بذلك تحولاً جديداً في مسار الصراع السني-الشيعي.

الخلافة العباسية (750-1258 ميلادي)، استمر الصراع السني-الشيعي بشكل ملحوظ، حيث شهدت هذه الفترة تطورات مهمة في هذا النزاع. العباسيون، الذين وصلوا إلى السلطة بعد الإطاحة بالأمويين، استخدموا في البداية دعم الموالين لآل البيت من مناطق خراسان من خلال الدعوة للقائم من آل محمد للوصول إلى الحكم، لكنهم سرعان ما تحولوا ضدهم بعد تثبيت أركان دولتهم.

أبو العباس السفاح، أول خليفة عباسي، بدأ بتتبع الأمويين والقضاء عليهم، لكنه لم يتعرض بشكل مباشر لآل البيت. ومع ذلك، فإن خلفاءه، مثل أبو جعفر المنصور، اتبعوا سياسات قمعية ضد آل البيت، للحفاظ على ملكهم حيث قاموا بتشريدهم وقتلهم بشكل واسع. المنصور، على وجه الخصوص، كان معروفاً بظلمه وقسوته تجاه آل البيت، مما أدى إلى تفاقم الصراع بين الطائفتين. بالإضافة إلى ذلك، قام العباسيون بإخماد الحركات الشيعية التي هددت استمرارية الدولة، مثل القرامطة والاسماعيلية والزيدية.

في هذه الفترة، كانت هناك محاولات من قبل العباسيين لتقويض نفوذ الشيعة من خلال استجلاب الشعراء والعلماء لتشويه سمعة آل البيت ونفي حقهم في الخلافة. هذا الصراع الديني السياسي أدى إلى تعميق الانقسام بين السنة والشيعة، واستمر تأثيره على المجتمعات الإسلامية حتى يومنا هذا.

من الجدير بالذكر أن هذا الصراع كان في جوهره صراعاً سياسياً بامتياز، حيث استُغِلَّ الدين. من جميع الأطراف لشرعنة الأحقية بالحكم. استخدمت الأطراف المتنازعة الرموز الدينية والشعارات لتبرير مطالبها السياسية وتعزيز نفوذها، مما أدى إلى تعقيد النزاع وجعله أكثر حدة واستمرارية.

وقد لعبت الشعوبية دوراً مهماً في إذكاء الخلاف بين المسلمين، حيث استغلت التوترات العرقية والثقافية لتعميق الانقسامات بين السنة والشيعة. “الشعوبية”: كانت حركة اجتماعية وثقافية نشأت في ظل الدولة العباسية، وركزت على تعزيز الهويات غير العربية داخل المجتمع الإسلامي، مما أدى إلى تفاقم الخلافات الطائفية والسياسية. ولا تزال هذه الظاهرة قائمة حتى الآن، من خلال العداء الظاهر أو المبطن للعرب من الشعوب غير العربية التي دخلت الإسلام بقوة السيف. يظهر هذا التوجه جلياً من خلال الفرق الباطنية ومبدأ التقية الذي يتعامل به الشيعة، مما خلق حالة من انعدام الثقة بين الأغلبية السنية والطائفة الشيعية.

بالإضافة إلى ذلك، اعتمد العباسيون بشكل كبير على العناصر غير العربية، مثل الفرس والأتراك، وقربوهم منهم في إدارة الدولة. هذا التوجه كان مختلفاً عن التوجه الأموي الذي ركز على العنصر العربي في إدارة الدولة. نتيجة لذلك، تغول العنصر الفارسي والتركي في الدولة العباسية، مما أدى إلى تقويضها وإضعافها من الداخل.

الدولة الصفوية والدولة العثمانية

في القرن السادس عشر، تأسست الدولة الصفوية في إيران كدولة تتبنى المذهب الشيعي رسمياً، ما أدى إلى تحول إيران من المذهب السني إلى التشيع. هذا التحول أثار توترات عميقة مع الدولة العثمانية، التي كانت تمثل أكبر إمبراطورية سنية آنذاك. تصاعد الصراع بين الدولتين، ليس فقط لأسباب مذهبية، بل أيضاً بسبب تنافسهما على النفوذ الإقليمي والسيطرة على طرق التجارة الحيوية، ولا سيما طريق الحرير.

امتد هذا الصراع الطائفي والسياسي لعدة قرون، وكان له أثر كبير على استقرار المنطقة، حيث تنازعت الدولتان على توسيع نفوذهما على حساب بعضهما البعض. نتج عن هذه المواجهات صراعات دموية ومجازر متبادلة، كان ضحيتها الآلاف من كلا الجانبين. ورغم أن كل طرف ارتكب فظائع بحق الآخر، إلا أن المجازر التي استهدفت المجتمعات السنية على يد الدولة الصفوية كانت أكثر حدة من حيث الأعداد. هذه الأحداث التاريخية تركت بصماتها العميقة على العلاقات بين المجتمعات السنية والشيعية في المنطقة، وأصبحت مكوناً راسخاً في الذاكرة الجماعية الطائفية التي توارثتها الأجيال، مما ساهم في تشكيل الهوية والانقسامات المجتمعية المستمرة عبر العصور.

بداية تحول إيران وتوسع النفوذ الصفوي

شهدت الدولة الصفوية، منذ نشأتها، توسعاً متسارعاً في نشر المذهب الشيعي بالقوة في المناطق التي خضعت لسيطرتها، مما أحدث تحولاً ديموغرافياً ودينياً كبيراً في إيران والمناطق المجاورة. كان هذا التوسع جزءاً من استراتيجية الصفويين لتعزيز سلطتهم السياسية والدينية، ما أثار قلق الدولة العثمانية السنية التي رأت في هذا الانتشار تهديداً لنفوذها.

استهدفت الدولة الصفوية عدة مناطق خضعت لسيطرة نفوذها، وقامت بتغيير التركيبة المذهبية لسكانها من خلال فرض التشيع. من أبرز هذه المناطق:

  1. إيران: كانت القاعدة الأساسية للدولة الصفوية، حيث بدأت عملية نشر التشيع بشكل منظم في مختلف أنحاء البلاد.
  2. أذربيجان: خضعت لسيطرة الصفويين، وتم فرض التشيع على سكانها.
  3. العراق: خاصة في المناطق الجنوبية مثل النجف وكربلاء، حيث تم فرض التشيع بالقوة على المجتمعات المحلية.
  4. شرق الأناضول: مناطق مثل إرزنجان وأرضروم شهدت توسعاً صفوياً وعمليات تشييع للسكان المحليين.
  5. أرمينيا: كانت أيضاً ضمن المناطق التي تأثرت بالتوسع الصفوي ومحاولات فرض التشيع.

هدفت هذه الجهود إلى تعزيز سلطة الصفويين على المستويين السياسي والديني، وهو ما أثار حفيظة الدولة العثمانية السنية، التي اعتبرت هذا التوسع تهديداً لمكانتها وهيمنتها في العالم الإسلامي. 1 -2

الصراع العثماني الصفوي

منذ تأسيس الدولة الصفوية، أبدت عداءً واضحاً للدولة العثمانية السنية التي كانت في ذروة توسعها في أوروبا ونشر الإسلام. سعى الصفويون إلى إضعاف العثمانيين من خلال التحالف مع القوى الأوروبية، مثل البرتغاليين ولاحقاً البريطانيين، بهدف تحقيق توازن استراتيجي في المنطقة. خلال فترة انشغال العثمانيين بحروبهم في شرق أوروبا، استغل الصفويون الفرصة وشنوا هجمات على الأراضي العثمانية من الخلف، ما شكل ضغطاً كبيراً على الإمبراطورية العثمانية. 1-2

هذا التوغل الصفوي في الأناضول أجبر العثمانيين على إعادة توجيه مواردهم لحماية حدودهم من الانهيار، مضيفاً بذلك تعقيداً كبيراً للصراع بين القوتين. كان الدعم العسكري واللوجستي الذي تلقاه الصفويون من بعض القوى الأوروبية عاملاً مهماً في تأجيج الصراع، حيث اضطرت الدولة العثمانية إلى تحويل جزء كبير من قواتها لمواجهة الصفويين، مما أعاق قدرتها على مواصلة التوسع في أوروبا. 1-5-6

شهدت المنطقة سلسلة من المعارك بين الدولتين، حيث سعى كل طرف إلى فرض نفوذه وهيمنته. من أبرز هذه المعارك معركة جالديران في عام 1514، التي انتهت بانتصار حاسم للعثمانيين وتراجع الصفويين. شكلت هذه المعركة نقطة تحول رئيسية في الصراع، حيث تمكن العثمانيون من فرض سيطرتهم على مناطق شاسعة كانت تحت هيمنة الصفويين، مما رسخ هيمنتهم الإقليمية وأضعف القوة الصفوية لسنوات طويلة.1-2

القسوة والتنكيل بأهل السنة

في المناطق التي سيطر عليها الصفويون، قاموا بتشييع السكان بالقوة واستخدموا أساليب قاسية للتنكيل بأهل السنة. من أبرز هذه المجازر:

  1. مجازر بغداد: بعد سيطرة الصفويين على بغداد، قاموا بقتل الآلاف من أهل السنة، واستخدموا التعذيب الشديد قبل قتلهم. “كما نبشوا قبور علماء السنة وأحرقوا عظامهم3.”
  2. مجازر الأكراد السنة“: في عهد الشاه عباس الكبير، تم قتل سبعين ألفاً من الأكراد السنة، وتم ترحيل 1500 عائلة سنية كردية”3.
  3. مجازر فارس وكرمان وعربستان: في كل موقعة سيطر عليها الصفويون، كانوا يذبحون عشرات الآلاف من أهل السنة، مما أدى إلى تغيير ديموغرافي وديني كبير في هذه المناطق3.

في سياق الصراع بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، لعب الغزاة الغربيون دورًا مهمًا في تعزيز موقف الصفويين ضد العثمانيين.

  1. التحالفات مع القوى الأوروبية: لجأ الصفويون إلى التحالف مع القوى الأوروبية مثل البرتغاليين والبريطانيين. هذه التحالفات كانت تهدف إلى الحصول على دعم عسكري ولوجستي لمواجهة العثمانيين. على سبيل المثال، البرتغاليون قدموا دعماً بحرياً للصفويين في الخليج العربي 4-5-6
  2. التنسيق العسكري: الصفويون نسقوا مع القوى الغربية لتبادل المعلومات العسكرية والاستراتيجيات. هذا التنسيق ساعد الصفويين في تحسين قدراتهم العسكرية والتكتيكية في مواجهة العثمانيين. 4-5-6
  3. الدعم اللوجستي: القوى الغربية قدمت دعمًا لوجستيًا للصفويين، بما في ذلك الأسلحة والذخائر. هذا الدعم كان حاسمًا في تعزيز القدرات العسكرية للصفويين خلال المعارك مع العثمانيين4.
  4. التأثير السياسي: التحالفات مع القوى الغربية لم تكن فقط عسكرية، بل شملت أيضًا دعمًا سياسيًا. القوى الغربية كانت تسعى إلى إضعاف العثمانيين من خلال دعم الصفويين، مما أضاف بعدًا جديدًا للصراع في المنطقة.4

دور العثمانيين في تسنيين المناطق التي استعادوا السيطرة عليها

بعد انتصاراتهم العسكرية، بذل العثمانيون جهوداً كبيرة لتسنيين المناطق التي كانت خاضعة للصفويين والتي شهدت تشيع سكانها. تضمنت هذه الجهود إنشاء المساجد والتكايا والمدارس الدينية السنية، بالإضافة إلى تعيين علماء دين من السنة في المناطق التي استعادوا السيطرة عليها. أسهمت هذه المبادرات في إعادة المذهب السني إلى تلك المناطق، مما عزز من نفوذ الدولة العثمانية على المستوى الديني والسياسي.

تجسد هذه العوامل مجتمعةً تعقيد الصراع بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، إذ أثرت بشكل كبير على توازن القوى في المنطقة.

استمر حكم الدولة الصفوية لإيران حتى العقد الثاني من القرن العشرين، حينما خلفتها الأسرة البهلوية، التي تعرضت للإطاحة من قبل حكومة الثورة في إيران عام 1979 بقيادة الإمام الخميني. 5-6

الثورة الإسلامية في إيران

في عام 1979، شهدت إيران ثورة إسلامية تاريخية أدت إلى تأسيس جمهورية إسلامية تحت قيادة آية الله الخميني. شكلت هذه الثورة نقطة تحول رئيسية في تاريخ البلاد، حيث انتقلت من نظام ملكي برئاسة الشاه محمد رضا بهلوي إلى نظام ديني يرتكز على مبدأ ولاية الفقيه، الذي طرحه الخميني. يمنح هذا المبدأ الفقيه السلطة العليا في الدولة، مما يعزز من دور الدين في شؤون الحكم والسياسة.

بعد الثورة، سعت إيران إلى تصدير نموذجها الثوري الشيعي إلى الدول المجاورة، مما أدى إلى تصاعد التوترات الطائفية في العديد من الدول العربية. بدأت الحكومة الإيرانية في دعم الجماعات الشيعية في تلك الدول كوسيلة لتعزيز نفوذها الإقليمي، مما زاد من حدة الصراعات الطائفية في المنطقة وأثر سلباً على الاستقرار الإقليمي.

الحرب العراقية الإيرانية

تُعتبر الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) واحدة من أبرز الصراعات الطائفية في العصر الحديث. لم تكن هذه الحرب مجرد صراع بين دولتين، بل تجسدت كصراع بين المذهبين السني والشيعي. العراق، بقيادة الرئيس صدام حسين السني، تلقى دعماً من دول الخليج، بينما كانت إيران تحت قيادة الخميني الشيعي، مدعومةً من سوريا. استخدمت كل من الدولتين الطائفية كأداة لتعزيز مواقفها الاستراتيجية والسياسية.

خلفت هذه الحرب آثاراً عميقة على العلاقات الطائفية في المنطقة، حيث أسهمت في تعزيز الانقسامات والتوترات بين المجتمعات السنية والشيعية، مما ترك بصمات مؤلمة على النسيج الاجتماعي والسياسي للبلدان المعنية.

الصراع في لبنان

خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، اتسم الصراع بأبعاد طائفية قوية. تلقت الأطراف المختلفة في الحرب دعماً من قوى إقليمية ودولية وفقاً لانتماءاتها الطائفية، مما زاد من تعقيد الأوضاع. أصبح كل من حزب الله وحركة أمل، اللذان تم تأسيسهما بدعم إيراني، لاعبين رئيسيين في الصراع اللبناني، مما ساهم في تعميق الانقسامات الطائفية وزيادة حدة التوترات بين مختلف الطوائف. لقد أدت هذه الديناميات إلى تفكك النسيج الاجتماعي في لبنان، وأثرت بشكل عميق على مسار الأحداث في البلاد.

دور إيران في زعزعة استقرار الدول العربية

  1. سقوط بغداد (2003):
    بعد سقوط بغداد في عام 2003، شهد العراق فترة من الفوضى والصراع الطائفي. لعبت الفصائل الشيعية المدعومة والموجهة من إيران دوراً كبيراً في تشكيل المشهد السياسي والأمني، مما أدى إلى تفاقم التوترات مع المجتمع السني. كما قامت بعض المرجعيات الشيعية بدعم الاحتلال الأمريكي للإطاحة بنظام الحكم في بغداد، حيث ساهمت المليشيات الشيعية في التنكيل بأهل السنة، مما زاد من حدة الصراع الطائفي.
  2. المليشيات الشيعية في العراق:
    عقب الغزو الأمريكي للعراق، برزت العديد من المليشيات الشيعية المسلحة، مثل جيش المهدي وعصائب أهل الحق. تورطت هذه المليشيات في صراعات طائفية وأعمال عنف ضد الطائفة السنية، مما أدى إلى تعميق الانقسامات الطائفية في البلاد. إضافة إلى ذلك، اتبعت الحكومات الشيعية المتعاقبة سياسات اقصائية تضمنت الاعتقالات والتنكيل بحق السنة، مما زاد من حدة التوترات الطائفية. 7-8-9
  3. المليشيات الشيعية في سوريا:
    مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، قدمت المليشيات الشيعية، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني، دعماً قوياً لنظام بشار الأسد. تورطت هذه المليشيات في العديد من المجازر والانتهاكات ضد المدنيين السوريين، مما زاد من تعقيد الأزمة في البلاد. 7-8
  4. ميليشيات الحوثي وحرب اليمن:
    في اليمن، تمكنت ميليشيات الحوثي الشيعية من السيطرة على العاصمة صنعاء في عام 2014، مما أدى إلى تدخل عسكري من التحالف العربي بقيادة السعودية. أسفرت حرب اليمن عن أزمة إنسانية كبيرة، حيث تدهورت الأوضاع المعيشية والصحية بشكل غير مسبوق، مما أثر سلباً على استقرار المنطقة بشكل عام. 10-11

دور حزب الله وحركة أمل في الصراعات في لبنان

يُعتبر حزب الله وحركة أمل الفصيلين الشيعيين الرئيسيين في لبنان، حيث لعبا أدواراً بارزة في المشهد السياسي والعسكري في البلاد. تورط حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، بالإضافة إلى استهدافه العديد من الشخصيات الوطنية اللبنانية، مما ساهم في خلق مناخ من عدم الاستقرار. كما لعب الحزب دوراً محورياً في اختطاف الدولة وتعطيل الحياة السياسية، مُسيطر ً على معظم مفاصل الدولة ومهمشاً دور الجيش اللبناني وقوى الأمن.

خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وما تلاها، انخرطت حركة أمل وحزب الله في صراعات مع الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة في لبنان، خصوصاً في جنوب البلاد ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين. كانت هذه الصراعات جزءاً من نزاعات أوسع شملت العديد من الأطراف اللبنانية والفلسطينية، مما زاد من تعقيد الأوضاع في لبنان وأثر على استقراره. 7-12-13

معركة المخيمات (1985-1988)

تُعد معركة المخيمات من أبرز الأحداث التي تورط فيها حزب الله وحركة أمل في صراعات مع الفصائل الفلسطينية. خلال هذه الفترة، نشبت اشتباكات عنيفة بين حركة أمل، المتحالفة مع حزب الله، والفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين في بيروت وجنوب لبنان. أدت هذه الاشتباكات إلى سقوط العديد من الضحايا من الجانبين، مما عكس تصاعد التوترات بين الأطراف المعنية.

التوترات المستمرة

بعد انتهاء الحرب الأهلية، استمرت التوترات بين حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية، لاسيما تلك التي اتخذت من جنوب لبنان قاعدة لها. سعى حزب الله إلى فرض سيطرته على المناطق الحدودية مع إسرائيل، مما أسفر عن صدامات مع الفصائل الفلسطينية التي كانت تنشط في تلك المناطق، مما أدى إلى إبعادها عن جنوب لبنان وخط المواجهة مع إسرائيل.

من خلال هذه المقارنة التاريخية، يمكننا أن ندرك أن الصراع الطائفي في المنطقة له جذور عميقة ومعقدة. هذه الجذور التاريخية تُسهم في تعزيز فهمنا للديناميكيات الحالية، حيث إن التوترات الطائفية ليست مجرد نتيجة لأحداث طارئة، بل هي جزء من تاريخ طويل من الصراعات والانقسامات. إن فهم هذه الجذور يمكن أن يساعد في تطوير استراتيجيات أكثر فعالية للتعامل مع التحديات الطائفية الحالية والمستقبلية.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتدخلات الإيرانية في الدول العربية

أدت الأنشطة الإيرانية في الدول العربية إلى آثارٍ سلبيةٍ عميقةٍ على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، كان من أبرزها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. لقد أسهمت هذه التدخلات بشكل كبيٍ في تراجع الثقة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، مما أدى إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن ضخِّ استثماراتهم في بيئاتٍ غير مستقرة سياسياً وأمنياً. يُعتبر هذا الانخفاض في الاستثمارات الأجنبية أحد العوامل الأساسية التي تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، خاصةً أن العديد من الدول العربية تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على هذه الاستثمارات لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية.

إن تعزيز الاستقرار السياسي والأمني يُعدُّ ضرورةً ملحَّةً للدول العربية، ليس فقط لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب، بل أيضاً لتحقيق نموٍّ اقتصاديّ مستدام يُسهم في تحسين الأوضاع المعيشية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل.

تأثير النفوذ الإيراني على الاقتصاد والاستقرار السياسي في الدول العربية: دراسة حالة لبنان، العراق، سوريا، واليمن

تُعد التدخلات الإيرانية في الدول العربية أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي، مما انعكس بشكل سلبي على البيئة الاستثمارية والنمو الاقتصادي في تلك الدول.

– لبنان: يُمثل حزب الله أحد أبرز مظاهر النفوذ الإيراني في لبنان، حيث أدت أنشطته العسكرية والسياسية إلى زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. هذا الوضع نتج عنه تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذلك بسبب مخاوف المستثمرين من حالة عدم الاستقرار والفساد المستشري. الأزمات السياسية المتكررة ساهمت في إضعاف الاقتصاد اللبناني، مما أضر بفرص تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.14-15

العراق: تلعب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران دوراً كبيراً في تقويض سيادة الدولة العراقية. هذا النفوذ الإيراني أسفر عن تصاعد العنف الطائفي وزعزعة الأمن الداخلي، مما أثر على قدرة البلاد في جذب الاستثمارات الأجنبية. تراجع الاستثمارات الأجنبية نتيجة للاضطرابات الأمنية والسياسية أدى إلى تباطؤ واضح في النمو الاقتصادي، وزاد من تعقيد الوضع الاقتصادي انتشار الفساد والبيروقراطية. 16

سوريا: تدخلات إيران ودعمها للنظام السوري والميليشيات الشيعية أثرت بشكل عميق على التركيبة الديمغرافية وأدت إلى تفاقم الصراع المسلح. هذا التدخل أدى إلى تدمير البنية التحتية وتدهور الاقتصاد بشكل حاد، مما جعل استعادة الاستقرار الاقتصادي أمراً صعب المنال. الحرب المستمرة عرقلت أي فرص حقيقية لجذب الاستثمارات الأجنبية أو تحقيق نمو اقتصادي إضافة الى تكبيل حكومة النظام السوري بعدد كبير من الاتفاقيات المجحفة لسداد الديون المستحقة لإيران. 17-18

اليمن: دعم إيران للحوثيين في اليمن أدى إلى تفاقم الحرب الأهلية وتدمير البنية التحتية بشكل واسع النطاق. هذا الصراع المستمر ساهم في انهيار الاقتصاد اليمني، حيث وصلت الاستثمارات الأجنبية إلى أدنى مستوياتها. استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي حال دون إمكانية تحقيق أي نوع من النمو الاقتصادي المستدام. 19-20

هذه الأمثلة توضح كيف أن التدخلات الإيرانية المستمرة تسببت في إضعاف الاقتصادات الوطنية، وإحباط أي جهود لتحقيق استقرار سياسي أو نمو اقتصادي في هذه الدول.

خطر انتشار المخدرات وتأثيره على المجتمعات العربية

تُعد المخدرات من أخطر التهديدات التي تواجه المجتمعات العربية اليوم، حيث تلعب الميليشيات الإيرانية دوراً رئيسياً في إنتاج وتوزيع المخدرات لتمويل أنشطتها العسكرية والسياسية. هذا النشاط لا يهدد الصحة العامة فحسب، بل يمتد ليشمل تأثيرات مجتمعية واقتصادية وأمنية واسعة، حيث يساهم في تفاقم الجريمة والعنف، ويُضعف من قدرة الدول على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية.

“وفقاً لتقرير المخدرات العالمي لعام 2021 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تعاطى حوالي 275 مليون شخص المخدرات في جميع أنحاء العالم في العام الماضي، في حين عانى أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات”21. في الدول العربية، تُظهر الإحصاءات أن نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في تزايد مستمر. “على سبيل المثال، في العراق، يُقدّر أن أكثر من 50% من الشباب يتعاطون المخدرات “22.” في مصر، بلغت نسبة تعاطي المخدرات 6%، بينما في السودان، يُقدّر عدد المدمنين بحوالي 6 ملايين شخص23. “

تُعد المواد الأفيونية من بين أكثر المخدرات انتشاراً وخطورة، حيث بلغ عدد متعاطيها 53 مليون شخص في عام 2017، بزيادة 56% عن التقديرات السابقة “.  المواد الأفيونية مسؤولة عن ثلثي الوفيات نتيجة تعاطي المخدرات، حيث قُدّر عدد الوفيات بـ 585 ألف شخص في ذلك العام “.21

يتسبب انتشار المخدرات في زيادة معدلات الجريمة والعنف، خاصةً فيما يتعلق بالسرقة والاعتداءات والعنف الأسري. كما يؤدي إلى استنزاف الموارد الأمنية والصحية للدول، حيث تتحول جهود الحكومات إلى مكافحة المخدرات بدلاً من التركيز على التنمية والاستقرار. لذا، من الضروري أن تتخذ الدول العربية إجراءات صارمة لمكافحة إنتاج وتوزيع المخدرات، وتعزيز التوعية بين الشباب حول أخطار تعاطيها، وتوفير برامج علاجية وتأهيلية للمدمنين، لضمان مستقبل أكثر أماناً واستقراراً للمجتمعات العربية.

دور الميليشيات الشيعية في إنتاج وتجارة المخدرات لتمويل حروبها

تلعب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران دوراً محورياً في إنتاج وتجارة المخدرات في عدة دول عربية، مما يزيد من تعقيد المشكلة:

  1. لبنان: يُعد حزب الله من أبرز الأطراف المتورطة في تجارة المخدرات، حيث يستخدمها كمصدر رئيسي للتمويل، تقارير عديدة تشير إلى تهريب المخدرات إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية. 24-25-26
  2. العراق: تساهم الميليشيات الشيعية في العراق، مثل الحشد الشعبي، في تهريب المخدرات عبر الحدود الإيرانية العراقية لتمويل عملياتها العسكرية والسياسية. 27
  3. سوريا: تنخرط الميليشيات الشيعية في سوريا والمدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله، في إنتاج وتوزيع المخدرات في المناطق التي تسيطر عليها وفي تصديرها الى دول الجوار ودول الخليج. 28-29
  4. اليمن: الحوثيون، المدعومون من إيران، يعتمدون على تهريب المخدرات لتمويل عملياتهم العسكرية ضد الحكومة اليمنية والتحالف العربي ولزعزعة امن واستقرار المنطقة. 24-25

يؤدي انتشار المخدرات إلى تفاقم معدلات الجريمة والعنف، إذ يرتبط تعاطيها بزيادة حالات السرقة، الاعتداءات، والعنف الأسري. كما يُضعف هذا الانتشار قدرة الدول على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية، حيث تستنزف الموارد الأمنية والصحية في مكافحة تجارة المخدرات بدلاً من توجيهها نحو التنمية والاستقرار.

تتطلب مواجهة هذا الخطر اتخاذ الدول العربية تدابير صارمة لمكافحة إنتاج وتوزيع المخدرات، إلى جانب تعزيز التوعية بمخاطر التعاطي، وتوفير برامج علاجية وتأهيلية للمدمنين، بما يضمن مستقبلاً أكثر أماناً واستقراراً للمجتمعات.

إن تفاقم تجارة المخدرات يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية، مما يستدعي تحركاً عاجلاً من الدول العربية لتعزيز البنية التحتية للتوعية والعلاج في إطار استراتيجية شاملة لمواجهة هذه الظاهرة.

تحصين الشباب العربي: مواجهة التشييع الإعلامي وتعزيز الوحدة الوطنية

يُعد الشباب القوة الدافعة للتغيير والتقدم في المجتمعات، مما يجعل الاستثمار فيهم أولوية قصوى لضمان مستقبل مستقر ومزدهر. ومع ذلك، يواجه الشباب العربي خطراً حقيقياً من محاولات التشييع الإيراني، التي تستهدف تغيير الهوية الثقافية والدينية للمجتمعات العربية، وخاصة من خلال الإعلام الموجه والمؤدلج الذي تبثه قنوات شيعية مثل “طه”، “الأنوار”، و”الكوثر”. هذه القنوات تستغل الأطفال والشباب لبث الفكر الطائفي وغرس معتقدات تتعارض مع القيم المحلية، مما يساهم في نشر الكراهية ضد المسلمين السنة وزيادة التوترات الطائفية، ويهدد النسيج الاجتماعي العربي.

في مواجهة هذا الخطر، يجب على الدول العربية تطوير استراتيجيات شاملة لحماية الشباب من التأثيرات الطائفية، تشمل تعزيز التعليم والتوعية، وتوفير الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن مشاركتهم الإيجابية في بناء المستقبل. جزء أساسي من هذه الاستراتيجيات هو إطلاق قنوات فضائية ومنصات تواصل اجتماعي موجهة للشباب، تقدم محتوى توعوي يرد على الفكر الطائفي ويعزز قيم التعايش والوحدة الوطنية. هذه القنوات والمنصات يجب أن تقدم برامج تعليمية وترفيهية تجذب الشباب، وتخاطب احتياجاتهم بأسلوب عصري يعزز القيم الإسلامية المعتدلة ويشجع على التسامح والتعايش.

من خلال هذه الجهود الإعلامية والتعليمية المتكاملة، يمكن تحصين الشباب العربي من التأثيرات الخارجية التي تهدد هويتهم، وتمكينهم من الإسهام في بناء مجتمع متماسك ومزدهر، قادر على مواجهة التحديات الفكرية والطائفية.

تقدير حجم المشكلة في المناطق العربية

تقدير حجم مشكلة تشييع الأطفال والشباب في المناطق العربية يتطلب النظر في عدة عوامل، منها الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل دولة. وفقاً لبعض الدراسات والتقارير، يمكن تلخيص الوضع في بعض المناطق على النحو التالي:

  1. لبنان: يُعتبر لبنان من أكثر الدول تأثراً بالتمدد الشيعي، حيث يلعب حزب الله دوراً كبيراً في الحياة السياسية والاجتماعية. هذا التأثير يمتد إلى الشباب والأطفال من خلال المدارس والمؤسسات الاجتماعية التي يديرها الحزب32.
  2. العراق: في العراق، تلعب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران دوراً كبيراً في الحياة اليومية، مما يؤثر على الشباب والأطفال من خلال تجنيدهم في الميليشيات وتوجيههم نحو أيديولوجيات معينة. 33
  3. اليمن: الحوثيون المدعومون من إيران يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن، ويؤثرون بشكل مباشر على الشباب والأطفال من خلال المدارس والمناهج التعليمية التي تروج لأيديولوجياتهم. 34-35-36
  4. سوريا: في سوريا، الدعم الإيراني للنظام السوري والميليشيات الشيعية أدى إلى تغيير التركيبة الديمغرافية في بعض المناطق، مما يؤثر على الشباب والأطفال من خلال التوجيه الأيديولوجي والتجنيد العسكري. 32

هذه العوامل تشير إلى أن مشكلة تشييع الأطفال والشباب في المناطق العربية هي مشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد، تتطلب جهوداً كبيرة من الحكومات والمجتمعات المحلية لمواجهتها.

وهنا يطرح التساؤل: هل السبب في تغول الشيعة وتوسيع نفوذهم هو تعامل العرب السنة مع الشيعة على أنهم مواطنون شركاء في الوطن، في حين أن الانتماء الأول والأخير للشيعة هو المرجع الفارسي، حيث لا يُعتبر الوطن سوى أداة لخدمة مصالح إيران؟

هذه الديناميكية تمثل تهديداً مباشراً للاستقرار الوطني، إذ أن الانتماء الطائفي العابر للحدود يجعل الشيعة أداة سياسية في يد إيران، تستخدمها لتفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي للدول العربية. وبالتالي، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الخلافات المذهبية، بل في استغلال هذه الخلافات لتنفيذ مشاريع سياسية تهدف إلى تقويض سيادة الدول العربية وإضعافها من الداخل لصالح قوى إقليمية تسعى إلى التوسع والنفوذ.

إن التحدي الذي يواجه المجتمعات العربية اليوم يتطلب وقفة حازمة للتعامل مع هذه التهديدات، وفهم الأبعاد العميقة للولاءات العابرة للوطنية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة.

ما هي الحلول الواقعية لمواجهة التغلغل الإيراني في الدول العربية؟

على المستوى الداخلي

تعزيز الوحدة الوطنية:

  • الحوار المجتمعي: إطلاق مبادرات مجتمعية تركز على الحوار البناء بين مختلف المكونات الاجتماعية، بتنظيم من منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع الحكومات المحلية، لتعزيز التفاهم المتبادل وتقريب وجهات النظر.
  • تطوير المناهج التعليمية: تحديث المناهج الدراسية لتتضمن قيم المواطنة والانتماء الوطني، مع إشراك خبراء تربويين ومؤسسات تعليمية لتجنب الخطابات الطائفية وتعزيز التعايش السلمي.
  • دعم المؤسسات الدينية المعتدلة: تعزيز التعاون بين الحكومات والمؤسسات الدينية المعتدلة، وتقديم دعم مالي ومعنوي لمؤسسات تنشر قيم التسامح والاعتدال، مع تنظيم حملات توعوية تثقف الشباب حول الدين بعيداً عن التطرف.

تقوية المؤسسات الحكومية:

  • مكافحة الفساد: تبني سياسات إصلاحية تعتمد على إنشاء هيئات مستقلة لمكافحة الفساد، مع فرض عقوبات صارمة وتعزيز الشفافية من خلال تقارير دورية وعلنية تُنشر للجمهور حول الأداء الحكومي.
  • إصلاح القضاء: دعم استقلال القضاء من خلال قوانين تضمن حماية القضاة من الضغوط السياسية، وتوفير التدريب المستمر لتعزيز كفاءة القضاء وتطبيق القانون بشكل عادل.
  • تطوير الأجهزة الأمنية: تحسين قدرات الأجهزة الأمنية عبر تزويدها بالتدريب والتقنيات الحديثة، وإجراء إصلاحات داخلية تضمن احترافية العاملين فيها، مع إشراف مدني مستقل لضمان الامتثال لحقوق الإنسان.

تنويع مصادر الدخل:

  • تعزيز الاقتصاد الوطني: دعم قطاعات الزراعة، الصناعة، والخدمات لتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على مصادر تقليدية كالبترول، من خلال خطط اقتصادية مدروسة وتسهيل القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
  • تشجيع الاستثمار: تحسين المناخ الاستثماري من خلال تقليص الإجراءات البيروقراطية، تقديم حوافز للمستثمرين المحليين والدوليين، وضمان بيئة قانونية مستقرة تحمي المستثمرين.

مكافحة التطرف:

  • برامج توعية: تنفيذ حملات توعية مستمرة تركز على المدارس والجامعات والمنصات الإعلامية، لمواجهة الفكر المتطرف، وإبراز نماذج إيجابية للتعايش السلمي، مع إشراك شخصيات مؤثرة في المجتمع.
  • دعم الشباب: خلق فرص عمل متجددة وتعليم مهني للشباب من خلال شراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، لتقليل البطالة ومنع انخراطهم في الجماعات المتطرفة، مع تقديم برامج ريادية تدعم مشاريعهم الخاصة.

على المستوى الإقليمي والدولي

التعاون العربي:

  • مواجهة التحديات المشتركة: تطوير خطة عربية موحدة للتعامل مع قضايا الإرهاب والتدخلات الخارجية، مع تعزيز التنسيق السياسي والدبلوماسي بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية.
  • تطوير آليات للتنسيق الأمني: إنشاء منصات رقمية ومراكز تنسيق أمني مشترك بين الدول العربية، بحيث يتم تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل أسرع وأكثر فعالية، إضافة إلى تشكيل قوات مشتركة للتدخل السريع.

التعاون الدولي:

  • الدول الغربية: تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الدول الغربية في مجالات الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا، مع التأكيد على احترام السيادة العربية، وتطوير خطط مشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف وتقديم الدعم التقني والتنموي.
  • المنظمات الدولية: الاستفادة من دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في حل النزاعات وتسوية الخلافات، مع تعزيز التعاون مع الجامعة العربية لتطوير آليات دولية لضمان تنفيذ القرارات المتفق عليها.

التحديات والمعوقات

  • الإرادة السياسية: تطبيق العديد من هذه الحلول يتطلب إرادة سياسية قوية واستعداداً من النخب الحاكمة لتقديم تنازلات أو إجراء إصلاحات حقيقية.
  • الاستقرار الداخلي: بعض الدول العربية تواجه نزاعات داخلية أو توترات سياسية، مما قد يعوق تنفيذ حلول مثل مكافحة الفساد أو تعزيز الحوار المجتمعي.
  • الفساد المتجذر: مكافحة الفساد تتطلب التزاماً طويل الأمد وإجراءات شفافة، وهو تحدٍ في العديد من الدول التي يعوق الفساد فيها التنمية.
  • التدخلات الخارجية: القوى الإقليمية والدولية التي لها مصالح في المنطقة قد تعرقل التعاون بين الدول العربية أو الإصلاحات الداخلية.
  • الأزمات الاقتصادية: تطبيق بعض الحلول، مثل دعم الشباب وتنويع مصادر الدخل، يتطلب استثمارات كبيرة، وقد يكون تحدياً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بعض الدول العربية.

كيفية تعزيز قابلية التنفيذ

  • بناء تحالفات داخلية: إشراك كافة القوى السياسية والاجتماعية في الحوار والتنفيذ.
  • دعم دولي: طلب الدعم من المنظمات الدولية والدول الصديقة لتوفير التمويل والخبرات.
  • التدرج في التنفيذ: بعض الحلول يمكن أن تُنفذ بشكل تدريجي، خاصة تلك التي تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد.

حلول خاصة بالدول المتأثرة بالتغلغل الإيراني

العراق:

  • تعزيز الوحدة الوطنية: إطلاق مبادرات حوار مجتمعي وتحديث المناهج التعليمية لتعزيز المواطنة.
  • تقوية المؤسسات الحكومية: مكافحة الفساد وإصلاح القضاء وتطوير الأجهزة الأمنية.

سوريا:

  • دعم الاستقرار السياسي: تعزيز الحوار بين الأطراف المختلفة ودعم المؤسسات الدينية المعتدلة.
  • التعاون الدولي: تعزيز الشراكات مع الدول الغربية والمنظمات الدولية لإعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب.

لبنان:

  • تعزيز الوحدة الوطنية: دعم المؤسسات الدينية المعتدلة وتنفيذ برامج توعية لمكافحة التطرف.
  • تقوية المؤسسات الحكومية: مكافحة الفساد وتعزيز استقلالية القضاء.

اليمن:

  • دعم الاستقرار السياسي: تعزيز الحوار المجتمعي وتطوير المناهج التعليمية.
  • التعاون الإقليمي: تشكيل فرق عمل مشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف.

دول الخليج:

  • تعزيز التعاون الإقليمي: تطوير آليات للتنسيق الأمني ومواجهة التهديدات المشتركة.
  • التعاون الدولي: تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الدول الغربية في مجالات الأمن والاقتصاد.

ان تطبيق هذه الحلول بشكل متكامل ومنسق، يمكن تعزيز فرص نجاحها وتحقيق الاستقرار والتنمية في الدول العربية المتأثرة بالتغلغل الإيراني.

ملاحظات مهمة:

  • الحلول ليست سريعة: حل هذه المشكلة يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.
  • الشراكة المجتمعية: يجب أن تكون هناك شراكة حقيقية بين الحكومات والمجتمع المدني.
  • التقييم المستمر: يجب تقييم هذه الحلول بشكل مستمر وإجراء التعديلات اللازمة.

إن مواجهة التغلغل والتغول الإيراني يتطلب تضافر الجهود العربية على كافة المستويات. يجب على الدول العربية أن تعزز التعاون الأمني والعسكري، وأن تعمل على تطوير اقتصاداتها، وأن تستثمر في بناء مجتمعات مدنية قوية قادرة على مقاومة التطرف والإيديولوجيات المتطرفة. كما يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في دعم الجهود العربية، والضغط على إيران لوقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية. فمستقبل المنطقة العربية مرهون بوحدتها وتماسكها، وبقدرتها على مواجهة التحديات التي تواجهها.

فهل نحن مستعدون لتحمل المسؤولية وحماية حاضرنا ومستقبل أجيالنا القادمة؟

مرعي الرمضان

اقرأ أيضاً: “ضحاياها مدنيون”.. روسيا ترتكب مجزرة في إدلب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى