بين التاريخ والحداثة مسجد العمري (الكبير) أهم المعالم الدينية في مدينة الباب
بينما قام العديد من الرحالة بزيارة مدينة الباب، إلا أنهم لم يشيروا إلى أحد أهم المعالم الثقافية والتاريخية فيها، وهو الجامع الكبير. وقد اكتفى ابن شداد، الذي توفي عام 684 هـ / 1285 م، في تعريفه للباب وبزاعة بالقول إنهما قريتان صغيرتان، وأن كل منها يحتوي على منبر وخطيب، أي جامع. كما اكتفى كامل الغزي، الذي نشر كتابه “نهر الذهب” عام 1926، بالإشارة إلى وجود دار حكومة وعشرة جوامع ومساجد في القصبة (الباب).
التأسيس
يتميز المسجد الكبير (العمري) في مدينة الباب بقدرته على إثارة الإعجاب والإعتزاز. حيث وضع عبد القادر الريحاوي هذا الجامع ضمن مساجد العصر المملوكي، ووصفه بأنه “مسقوف بالقباب الصفيرة، وفيه مئذنة مربعة الشكل ومنبر من الحجر، بني سنة 704 هـ / 1304 م”. ولكن عند قراءة النقيشة الموجودة على تاج المنبر، تُظهر العبارة التالية: “لا إله إلا الله محمداً رسول الله، عمل العبد الفقير لبره المعلم محمد، غفر الله له ولوالديه في سنة أربعة وأربعين وسبعمائة”.وإضافة إلى ذلك، يوجد العديد من النقوش الأخرى على الباب الغربي والإيوان الجنوبي، التي تعود للعصر المملوكي، وتمثل مراسيم سلطانية ذات أهمية تاريخية كبيرة. لذلك، يجب الحفاظ على هذه المعالم والقيام بصيانتها وترميمها، حتى تظل هذه القطع الثمينة جزءًا من تراثنا الثقافي والتاريخي.
تصميم فريد
يتميز التخطيط العام للمسجد بتشابهه الواضح مع التخطيط النموذجي للمساجد التي اقتدت بتصميم المسجد الأموي في دمشق.
يتألف المسجد من قبلية تمتد من الشرق إلى الغرب وتحيط به صحن وأروقة في الشرق والغرب والشمال. وتتميز سقوف القبلية في الرواقين الشرقي والغربي بوجود قباب صغيرة تستند إلى أقواس مدببة ودعامات، وتفتح الأروقة على الصحن بأقواس مدببة تستند لدعامات أيضاً. ويتميز الرواق الشمالي بأنه مسقوف بجسور حديدية وقد تم ربطهما ببناء حجري، وهذه الطريقة من التسقيف انتشرت في حلب في أواخر العصر العثماني بعد عام 1905م.
كما يتميز المنبر القديم بوجوده في المسجد ، وتحوي القبلية محرابين، يتوسط الأول منهما صفان من المقرنصات البسيطة، في حين تزين الثاني زخارف جصية نباتية ضمن قرص دائري الشكل. كما تتميز القبلية بوجود سدة خشبية تقليدية ترتفع فوق المدخل الأوسط للقبلية وتواجه المنبر والمحراب.
يتواجد المئذنة في الجهة الشمالية من الرواق الغربي للجامع، وتتميز بمقطع مربع، كما يتزين الدور الأول منها بشريط زخرفي هندسي، فيما ينتهي الدور الثاني بشرفة جميلة تستند على مقرنصات، وتظللها مظلة مربعة الشكل وشرافات خشبية. وبالنسبة للمداخل الثلاثة، فإنها ما تزال محتفظة بطرازها الأصلي، حيث يتميز المدخل الغربي بنجفة مستقيمة وإيوان قوسه مدبب، فيما يتميز إيوان مدخل الباب الجنوبي بثلاث فصوص. ويتميز المدخل الشمالي بنجفته المستقيمة، وفوقه قوس عاتق موتور. وقد كان في الباحة الشرقية للرواق دولاب ماء، ولكنه تم إلغاءه مع وصول مياه الشرب من الشركة العامة للمياه، وسقفت الباحة بالخرسانة المسلحة لتوسيع الرواق الشرقي. كما يخصص هذا الجزء من الجامع للنساء اللاتي يؤدين فيه صلاة التراويح وصلاة الصبح في رمضان، وله باب خاص شرقي، فأصبح للجامع أربعة أبواب. ويتميز حوض الوضوء في الصحن بقبة دائرية مشابهة لحوض الوضوء في المسجد الأموي الكبير في حلب.
إقرأ أيضاً : “قرية الأمل” مشروع كندي يأوي الآلاف شمال سوريا
اعادة الترميم
تعرض الجامع الكبير في مدينة الباب لعدة غارات من طيران النظام، مما أدى إلى دمار شبه كامل للجامع، ولا سيما القسم الشمالي منه. ومع تحرير المدينة من قبل فصائل الجيش الحر، بدأ مشروع إعادة ترميم الجامع بالتعاون بين وقف الديانة التركي والمجلس المحلي في المدينة، والذي قد يستمر لمدة عامين متتاليين ويشمل عدة مراحل هامة، منها إزالة الركام بشكل كامل، وترقيم جميع الحجارة للقدرة على إعادتها لموقعها أثناء عمليات الترميم، وترميم حجارة الجامع أو استبدال الحجارة المهشمة. يعتبر هذا المشروع خطوة هامة جدًا في طريق إعادة إعمار آثار البلاد والصروح التاريخية والحفاظ عليها للأجيال القادمة.
تمت بداية العمل على ترميم المسجد الكبير في مدينة الباب، بالتعاون مع “وقف الديانة التركي”، وهو من أحد أكبر وأقدم المساجد في المنطقة. تضمنت الخطة الشاملة لإعادة إعمار المناطق المحررة في ريف حلب الشرقي إعادة تأهيل جدران المسجد، وسقفه، وساحته، وشكله الخارجي. صرح مسؤول العلاقات الدينية في محلية الباب، “محمود عقيل”، في تصريح لوسائل الإعلام بأن المسجد يعد من أهم المعالم الدينية في مدينة الباب، ومعروف باسم المسجد العمري أو المسجد الكبير، وقد تعرض عبر التاريخ لعدة تصدعات، آخرها الحرب التي خاضتها قوات التنظيم الإرهابي “داعش” والتي تسببت في تدمير المسجد بشكل جزئي، بالإضافة إلى العديد من الحرائق التي شهدها. وأضاف “عقيل” بعد تحرير المدينة من قبضة التنظيم الإرهابي، أنه تم إعادة ترميم المسجد بالتعاون مع “وقف الديانة التركي”، بهدف إعادة المسجد إلى ما كان عليه في العهد الأموي والحفاظ على حالته الأثرية، حيث تم ترقيم جميع أحجار المسجد ليتم إعادتها إلى مكانها الأصلي بعد ترميمها وصيانتها.
كما صرّح المسؤول بأنَّه تمَّ تجديد نحو 40 مسجدًا في مدينة الباب بجهود المجلس المحلي ووقف الشؤون الدينية التركية، إلا أن المسجد العمري له أهمية خاصة، وبالتالي تمَّ إجراء الدراسات اللازمة عليه من قِبل فرق فرع مديرية الأوقاف في ولاية غازي عنتاب عام 2017، وتمَّ اتخاذ قرار فوري لإعادة ترميم الجامع وتأهيله لاستقبال المصلين وضمان الاستمرارية في أداء العبادات. وأضاف المسؤول أنَّ مدينة الباب تعود إلى العهد الروماني وفُتِحت في زمن الخليفة العادل عمر بن الخطاب والفهري، رحمهما الله، وذلك في عام 16 للهجرة، وتحمل بالتالي قيمة تاريخية وحضارية عظيمة