قد تكون صورة لعشرة أشخاص بانوراما الرياضة السورية.. ألا تهتف يعني وقوعك بمصيدة تسلل الدولة وشعار أبدي للديكتاتورية في الميدان الرياضي
هو الحدث الأبرز، ربما، حينما هدرت حناجر اللاعبين بشعار امتد عبر ربع قرن، “الله سوريا بشار وبس”، مرجعين سبب إنجازهم الكروي إلى القيادة الرياضية التي تعزوها بطريقة أو بأخرى للرئيس الحاكم، حيث يُعتبر بالنسبة لكثيرين أنه الوطن، والوطن هو.
هكذا دأبت القيادة الرياضية ومعها السياسية على ربط شبه الانتصار الرياضي حتى بالقائد المفدى، لكنه لا يختلف قيد أنملة عن تلك الإنجازات في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، فهناك كما هنا، عجز وتضخم اقتصادي ومستويات غير مسبوقة من البطالة والرشوة والفساد، وبطاقات حمراء، تقع في فخ تسلسل السجون إن أنت تجاوزتها، واستبداد وضرب لا يمكن خلاله اللجوء إلى حكم أو قاضي، أما الفوز في الملعب الرياضي ليس سوى كسراً للإخفاقات المتلاحقة، والتأهل إلى الدور الثاني من بطولة كأس آسيا عبر نظامها الجديد، أي التأهل كأفضل ثالث عن المجموعات، ثم الخروج من دور الـ 16، يعد إخفاقاً بعين المتابع العادي، لا إنجازاً يمكن معه التغني بالرئيس راعي رياضة البلاد، أو تضخيمه على وسائل الإعلام الحكومية، في وقت يعاني المواطن من خسارات متلاحقة في شتى الملاعب.
موسم كروي _ينتهي مع نهاية الأسبوع الحالي_ رافقه حالات شتى من الجدل على خلفية تجاوزات بعض الأندية وجمهورها، وحالات الاعتداء على الحكام، ناهيك عن اتهامات الرشاوي والفساد، كانت طالت اتحاد كرة القدم المحلي، ولجنة الحكام، غير أن هذا الواقع ليس سوى امتداداً لواقع مناطق سلطة الأسد الفعلية، فقضايا الفساد والتخبط الإداري التي تتغلل في العمق المؤسساتي ظهرت جلياً بمختلف المجالات الرياضية وفي خط مقدمة منتخب النظام، كاشفاً دفاعه المترهل أصلاً أمام العيان، وعليه حال الدولة كاملاً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والرياضي.
التخبط الذي بلغت ذروته مع انتهاء الموسم الرياضي، وخاصة فيما يتعلق بملف اللاعبين “محمود داهود، وعمر السومة”، إذ بعد إعلان الأول انضمامه إلى صفوف منتخب “بلاده”، كما أشيع، غادره بعد أقل من أسبوع من ذلك الإعلان، أما القائد الذي حمل علم الثورة يوماً، فحاله في الميدان كما الموقف، حينما أعلن عن قرار اعتزاله، ثم العدول عنه خلال نشره بياناً عبر صفحاته الرسمية قبل حذفه أيضاً.
موقف السومة يستدعي مقاربة من نوع آخر غير تلك المتعلقة بتبديل اتجاه اللعب في الدقائق الأخيرة من المباراة السياسية، والانضمام إلى صفوف من ظنه أنه انتصر، فالسومة أمام استبعاده، وبصرف النظر عن كونه قراراً فنياً من المدرب الأرجنتيني “هيكتور كوبر”، أقرب ما يكون إلى حال بعض الشخصيات التي استخدمها النظام كواجهة لنشاطاته الاقتصادية غير المشروعة، لكن سرعان ما بدلهم حينما ظهر في سوق الانتقالات من يفوقهم مهارة بالتغلغل في عمق الفساد والنفوذ، ومن بين تلك الأسماء التي أطاح بها النظام السوري، “رامي مخلوف، حسام قاطرجي، سامر الفوز”، فبعد الصور التذكارية التي التقطها عمر السومة مع بشار الأسد واستخدام اسمه وموقفه في عملية العودة “إلى حضن الوطن”، بات مهمشاً فور انتهاء مهامه الدفاعية في تلميع صورة الأسد أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي.
رياضة بلغة العنف
ومن أبرز مشاهد العنف وحالات الجدل “المتكررة مع كل موسم” فيمكن تلخيصها كالتالي:
- أعمال شغب بعد انتهاء مباراة ناديي الفتوة وحطين التي أقيمت على أرض ملعب “باسل الأسد” في اللاذقية”، وضرب عناصر حفظ النظام وتكسير مقاعد الملعب، فضلاً عن أقذع الشتائم وعبارات السباب.
- أعمال شعب في ديربي اللاذقية بين ناديي تشرين وحطين.
- الاعتداء على حكم الراية “عقبة حويج” من قبل جماهير الطليعة أثناء لقاء فريقها مع نادي الجيش، وإنهاء حكم الساحة طاهر بكار المباراة مع نهاية الشوط الأول.
- احتجاج نادي الحرية على قرار حكم المباراة محمد قرام وتهديده رفقة نادي الساحل بالانسحاب من الدوري، حيث احتج نادي الحرية على القرارات المتخذة من الحكم لا سيما تمديد الوقت بدل الضائع حتى تسجيل نادي حطين هدف التعادل، حيث انتهت المباراة بهدفين لمثلهما.
التتويج بإنجازات منقوصة
ولطالما حمل بشار الأسد وقبله والده، نظامهم إلى منصة تتويج الإنجازات المنقوصة، وكانت الرياضة في عهدهما تعبيراً عن مدى ازدهار العلاقات السياسية مع دولة ما، أو تمثل القطيعة مع أخرى، وأمام الحال تلك، وعلاوة على ما ذكر، لا يمكن فصل الرياضة عن السياسة، كما دعا إليه موالون أو رماديون، حينما ردوا على سوريين معارضين كانوا وصفوا المنتخب الأول لكرة القدم “بمنتخب البراميل”، كناية عن استهدافات النظام السوري الأحياء والمدن والأرياف طيلة ثلاثة عشر عاماً، قبل التغني باسمه في المحافل الرياضية والكروية على وجه الخصوص، فالرياضة دائماً ما كان يستخدمها النظام كلعبة تصب في هدف حملاته الإعلامية، ويحاول كسر عارضة معارضيه بالقول إنه منتخب “الوطن”، وذلك ما ظهر جلياً في شعار المنتخب الذي شارك في كأس آسيا عام 2019 “وطن واحد، شعب واحد، منتخب واحد”.
يجسد اللاعبون بأقدامهم إذن توجهات قيادتهم الرياضية، التي يكنى رئيس الاتحاد الرياضي وغيره من رؤساء الاتحادات بالرفيق أو سيادة اللواء أو العميد، إذ أن قطاع الرياضة السوري هو امتداد لعسكرة الدولة وتجسيد لنظام حكم البعث الأوحد في البلاد، وعليه يُفهم لما هتف اللاعبون بشعار الديكتاتورية الأبدي ذاك، ولما رد عليهم سوريون آخرون بشعار استحضروه منذ عام 2011 “الله سوريا حرية وبس”، على اعتبار أن النصر الحقيقي لا يأتي عن طريق كرة، وراعي سفك دم السوريين لا يمكن إلا أن يكون حارساً لجهض ووأد أحلامهم وحياتهم.
اقرأ أيضاً: تطوّر الشمال السوري … يدفع ثمنه المهجرين فيه!