المحاكم المذهبية في دولة المواطنة: امتياز أم تمييز؟
هل تعتبر المحاكم المذهبية تمييز للأقليات، وهل بدولة المواطنة التي يتساوى فيها جميع المواطنون والمواطنات, تعد تمييزاً أم امتيازا.
ما بين الأعراف والعادات السائدة، التي تكون أقوى من الدين والقانون
هل تعتبر المحاكم المذهبية تمييز للأقليات، وهل بدولة المواطنة التي يتساوى فيها جميع المواطنون والمواطنات, تعد تمييزاً أم امتيازاً
يقول دليل المواطنة في مقدمته:
«اكتسب مصطلح المواطنة، منذ انطلاقة ما تعرف باسم(الربيع العربي)،أهمية متزايدة في الأدبيات والحوارات السياسية في العالم العربي. فقلما يخلو بياناً وتحليلينا والوضع الخاص لكل دولة من الدول التي زارها(الربيع)من إشارة إلى (بناء دولة المواطنة)،لتصبح هدفاً مبدئياً لكل عمل سياسي وطني.»(1)
وإذا انتقلنا إلى تعريف المواطنة نحو زيادة الوعي فهي:
المواطنة هي إعطاء الفرد، المواطن/ة الشرعي القانوني الذي ولد/ت في بلد ما واكتسب/ت جنسيته, الحق في الاستفادة مما ترتبّه عضوية تلك البلد لمواطنيها من امتيازات وحقوق، وعلى هذا الأساس صيغت أغلب الدساتير في البلدان المتقدمة، وأعطت الحق في العيش الكريم والحر، لجميع مواطنيها ومواطناتها، وقد ربط مفهوم المواطنة كل ما هو خاص بكل ما هو عام، أي أنه أشبع حاجات الأفراد الأساسية في المجتمعات، كي لا تشغلهم هموم الذات عن المصلحة العامة، فالمصلحة الخاصة في دول المواطنة هي بالضرورة تعود على المصلحة العامة في كافة مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، لأنها تكفل حق المتدينين في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة، وتكفل مشاركة الفرد (ذكر وأنثى) في ممارسة الحياة السياسية والانتخابات والترشح لأماكن صنع القرار. فتغدو العلاقة بين المجتمع والدولة علاقة تبادلية، لكل حقوقه وواجباته اتجاه الآخر، والتعاون والتكامل والعمل المشترك، والأهم من كل ما سبق فالمواطنة هي سيادة القانون وتطبيقه على الحاكم والمحكوم.
أما إذا انتقلنا إلى الجانب الآخر من المسألة وهو حماية حقوق الأقليات على سبيل المثال: فنرى أن المادة 27 من القانون الدولي لحقوق الإنسان تنص على:
أن لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص من أبناء هذه الأقليات من حق التمتع بثقافتهم الخاصة، أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره، أو استعمال لغتهم، بالاشتراك مع أبناء جماعتهم الآخرين.
وتلاحظ اللجنة أن الحق الذي تقره هذه المادة وتعترف به حق يمنح للأفراد المنتمين إلى فئات الأقليات وهو حق متميز وزائد على جميع الحقوق الأخرى التي يحق لهم كأفراد مثل سائر الناس التمتع بها بموجب العهد.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل تتعارض المواطنة مع حماية حقوق الأقليات، في الدول التي لا تطبق مفهوم المواطنة، حتى لو كان دستورها يتضمن هذا المفهوم، ولماذا؟
إن العادات والتقاليد الموروثة والسائدة في معظم البلدان العربية؛ صارت مع مرور الزمن قوانين، ففي سوريا مثلاً قانون الأحوال الشخصية هو قانون تمييزي، يميّز بين الرجل والمرأة، وقانون العقوبات أيضاً، فحكم الزنى، لا ينطبق على الرجل كما ينطبق على المرأة، …..وهنا تصبح المرأة حسب القانون السوري أقلية اجتماعية وقانونية.
أما الأقلية الإثنية، والأقلية الطائفية في سوريا، فهي تخضع للقانون السوري من حيث قانون العقوبات، والأحكام الجزائية، لكنها تختلف في حالة الزواج والطلاق، فلكل طائفة في سوريا محكمة خاصة بالزواج والطلاق، كما حُرمت بعض الأقليات الإثنية من الجنسية السورية والتسجيل في قيود السجل المدني، فمعظم الإثنية الكردية لا تحمل الجنسية السورية.
أما الطائفة الدرزية، فقد أعطاها القانون السوري حق الاحتكام بالأحوال الشخصية، ولم تأخذ في الاعتبار أن العرف السائد هو الذي يطغى على هذه الأحكام ولا عودة به إلى القانون، ولا إلى التعاليم الدينية الخاصة بالطائفة الدرزية.
وحسب المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية:
تنفذ الوصية للوارث ولغيره بالثلث وأكثر منه، فالعرف السائد لدى الطائفة الدرزية مصطلح غرفة المقاطيع (غرفة ومنتفعاتها) ونرى الآثار المترتبة عليها من عنف اقتصادي، هنا يضرب العرف مجدداً القانون والنصوص الدينية الخاصة، حيث تكثر النتائج الناجمة عن العنف الاقتصادي على المرأة أختا كانت أو زوجة أو ابنة حتى، فضلا عن أنواع العنف الأخرى التي تتعرض لها أسوةً بالمرأة السورية كالعنف الجسدي والنفسي، وذلك لعدم قدرتها على الاستقلال المادي والمكاني، ومن الممكن أيضاً ان يكون الأثر جسديا و نفسياً على الأطفال، فليس لديهم مكان يأويهم، ويأخذون التربية من كل الجهات التي تؤدي لتشتتهم، وماذا إن حرموا من أمهم بسبب عدم قدرتها على إعانتهم اقتصاديا؟ ناهيك عن الجرائم التي ترتكب بذريعة الشرف؟ مع العلم أنه ليس هنالك جريمة شريفة، حيث أن فعل الجرم ينافي الفعل الشريف.
كل ما سبق من ممارسات قانونية ونصوص ومواد يُعمل بها هي نصوص معمول بها منذ الحكم العثماني وتعدلت في زمن الاحتلال الفرنسي وإلى اليوم لم يطرأ على القانون السوري إلاّ تعديلات طفيفة لا تتناسب مع الدستور السوري الحالي الذي ينص ا في مادته 23 من الباب الثاني (الحقوق والحريات وسيادة القانون ) البند الثاني والثالث: بأن المواطنة مبدأ اساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون والمواطنون متساوون في الحقوق و الواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
وهنا يحصل التضارب مع القانون الذي ينص على التميز بين المرأة والرجل ويعزز التمييز الاجتماعي ضد المرأة، والتمييز الطائفي والإثني.
كل ما سبق ذكره يعزز العنف القائم على النوع الاجتماعي لدى المرأة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، وبالتالي يعزز الشرخ الموجود بين المرأة والرجل، وإقصاء الآخر المختلف عرقياً وقومياً وطائفياً في المجتمع السوري، وبالتالي يخلخل أركان الهوية الوطنية القائمة على الحرية والعدالة والمساواة، وبالتالي لا يتحقق شرط المواطنة الأساسي بتساوي جميع المواطنون والمواطنات بالحقوق والواجبات.
هل تصل سوريا المستقبل إلى مقولة أحدهم: القانون يجب أن يكون مثل الموت لا يستثني أحد؟
اقرأ أيضاً: وسط تواطئ من الشرطة.. عصابة تعتدي على عائلة كردية شمال حلب
رائعة ليليان مقال عظيم