سوريا

السعودية تعيد افتتاح سفارتها في دمشق: رغم استمرار جرائم نظام الأسد

السعودية تعيد افتتاح سفارتها في دمشق: تطبيع مع الأسد رغم استمرار جرائمه

في خطوة مثيرة للجدل وتُعتبر تحولًا في المواقف الإقليمية، افتتحت المملكة العربية السعودية سفارتها في دمشق، لتصبح أول دولة عربية تعيد علاقاتها الرسمية مع نظام بشار الأسد. يأتي هذا التطبيع رغم أن الأسد ما زال يواصل حملته القمعية ضد الشعب السوري، حيث وثقت منظمات حقوقية دولية استمرار انتهاكاته لحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي تواصل فيه الدول الأوروبية رفضها لأي شكل من أشكال التطبيع مع النظام، متجنبةً التعامل مع سوريا كدولة آمنة، تتجه الدول العربية وعلى رأسها السعودية نحو إعادة دمج النظام في المنطقة.

افتتاح السفارة السعودية في دمشق يعكس تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية للمملكة، التي كانت من أوائل الدول التي دعمت الثورة السورية ضد نظام الأسد. في السنوات الأولى من الثورة، كانت السعودية في مقدمة الدول التي طالبت بتنحي الأسد ودعمت المعارضة السورية بشكل علني. ولكن بعد أكثر من عقد على الصراع، تبدو المملكة اليوم وكأنها مستعدة لتجاوز تلك الحقبة والعودة إلى التعامل مع النظام السوري كحكومة شرعية.

في حفل افتتاح السفارة، أعلن القائم بأعمال السفارة السعودية، عبد الله الحريص، أن هذه الخطوة تأتي “دعماً وتعزيزاً للعلاقات المتبادلة بين البلدين”، مؤكدًا حرص السعودية على تطوير العلاقات الثنائية مع النظام السوري. الحفل حضره عدد من المسؤولين العرب والدبلوماسيين، بما في ذلك ممثلو السلطة الفلسطينية، البحرين، والعراق، إلى جانب مسؤولين من نظام الأسد.

هذا الحضور اللافت من قبل ممثلي بعض الدول العربية يعكس التوجه المتزايد نحو إعادة دمج النظام السوري في الحظيرة الدبلوماسية الإقليمية، متجاهلين سجل الأسد في قمع شعبه. هذا التطبيع مع نظام الأسد، الذي قتل مئات الآلاف من السوريين وشرد الملايين، يأتي في وقت تواصل فيه قواته استخدام أساليب القمع الوحشية ضد المعارضين، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والقتل.

في الوقت الذي تتسابق فيه الدول العربية نحو إعادة العلاقات مع الأسد، ترفض الدول الأوروبية التطبيع معه بشكل قاطع. الدول الأوروبية، التي ما زالت تفرض عقوبات على نظام الأسد بسبب جرائمه ضد الشعب السوري، تعتبر سوريا دولة غير آمنة. ويستمر الاتحاد الأوروبي في تحميل النظام السوري المسؤولية عن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تعيشها البلاد.

المفوضية الأوروبية وغيرها من الهيئات الدولية تواصل تصنيف سوريا كواحدة من أكثر الدول خطورة على مستوى الأمان الشخصي وحقوق الإنسان. تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة وثق استمرار الانتهاكات الجسيمة في سوريا، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون، وهي ممارسات شائعة منذ اندلاع الثورة السورية. وتؤكد العديد من المنظمات الدولية أن سوريا ليست آمنة لعودة اللاجئين، ناهيك عن التعامل مع النظام الذي يقف وراء تلك الجرائم.

التطبيع السعودي والعربي مع نظام الأسد يرسل رسالة خاطئة للشعب السوري، الذي ما زال يعاني من وحشية النظام واستبداده. في حين أن الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، تسعى لتحقيق مصالحها السياسية والإقليمية، فإن إعادة العلاقات مع النظام السوري تعني تجاهل معاناة الملايين من السوريين الذين فقدوا حياتهم أو اضطروا للفرار من البلاد.

إعادة افتتاح السفارة السعودية في دمشق ليست مجرد خطوة دبلوماسية، بل تحمل دلالات سياسية مهمة تشير إلى أن بعض الدول العربية مستعدة للتغاضي عن جرائم الأسد مقابل تحقيق استقرار إقليمي أو تعزيز نفوذها في المنطقة. هذا النهج يتناقض مع المبادئ الإنسانية التي تتبناها الدول الأوروبية، التي ما زالت ترفض إعادة العلاقات مع نظام الأسد طالما استمر في قمع شعبه.

رغم المساعي العربية للتطبيع مع النظام السوري، فإن المخاطر المتعلقة بهذا القرار لا يمكن تجاهلها. إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد تعني شرعنة ممارساته القمعية وتغاضياً عن العقوبات الدولية المفروضة عليه بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان. الدول التي تعيد علاقتها مع الأسد تتحمل مسؤولية تجاهل معاناة الشعب السوري الذي لم يتوقف عن المطالبة بحريته وحقوقه.

الدول الأوروبية ترى أن أي خطوة للتطبيع مع النظام السوري قد تعيد الشرعية إلى نظام فقدها بسبب جرائمه ضد الإنسانية. في المقابل، يبدو أن بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، قررت أن الوقت قد حان لتجاوز الماضي والتطلع إلى ما تصفه بـ”الاستقرار الإقليمي”، بغض النظر عن التبعات الأخلاقية والسياسية لهذه الخطوة.

إعادة افتتاح السفارة السعودية في دمشق تعكس واقعاً جديداً في المنطقة، حيث يبدو أن الحسابات السياسية باتت تطغى على الاعتبارات الإنسانية. بينما يستمر بشار الأسد في قمع شعبه وقتل الأبرياء، تقود السعودية مسار التطبيع معه، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الثورة السورية ومعاناة الملايين من السوريين. وفي الوقت الذي تظل فيه أوروبا ثابتة في موقفها الرافض للتطبيع مع نظام الأسد، يبدو أن النظام الإقليمي العربي يتجه نحو مسار جديد، يغلب فيه الاستقرار السياسي على حساب حقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً: جبهة النصرة… التحدي الأكبر في الثورة السورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى