إنها أرواح أيضا لمحة عن حياة محمد علاء الجليل “رجل القطط”

بدأ المسعف محمد علاء الجليل 47 عاماً، والمعروف بلقب “رجل القطط”، عمله في نقل المصابين من المناطق التي تتعرض للقصف من قوات النظام في حلب إلى المشافي الميدانية، في منتصف عام ٢٠١٢ وتحديداً في حي مساكن هنانو شرق حلب.

عندما بدأ النظام بشن حملة عسكرية على أحياء حلب تحت مسمى معركة ” دبيب النمل ” تعرضت الأحياء الشرقية للقصف الممنهج، مما دفع السكان إلى النزوح إلى أماكن أكثر أماناً.

خلال تلك الفترة، لاحظ محمد وجود عدد كبير من القطط الأليفة في تلك المناطق، بدون رعاية أو طعام لهم.

بداية الحكاية مع “القط

يقول محمد في حديثه لوكالة الصحافة السورية: “من هنا بدأت الحكاية، ومن واجبي الإنساني أن أقدم الرعاية لتلك الحيوانات” كوني أحب تربية القطط في منزلي أيضاً.

بدأ محمد بجلب الطعام للقطط من الأحياء المجاورة، حيث كانت تعداد الحيوانات الأليفة قليلة في حي هنانو. وكان يقوم بشراء كميات صغيرة من الطعام لهم، وفي البداية كان يكفي لعدد محدود من القطط التي كانت تتواجد في المباني المجاورة لمنزله.
ومع مرور الأيام، ازداد عدد القطط التي تتواجد في بناء الذي يسكنه محمد، لأنها كانت تبحث عن الطعام في حي مهجور من سكانه. وكانت سيارته التي يعمل بها في نقل الجرحى لونها أحمر، ومميزة بشكلها، وعندما تشاهد القطط سيارته على بعد مئات الأمتار، يتوجهون إلى مكان منزله، لأنهم يعرفون أن كل يوم في التوقيت ذاته يقدم الطعام لهم.

يروي محمد عن بدايته في إنشاء محمية للحيوانات الأليفة أمام منزله، حيث كانت هناك حديقة صغيرة مهملة وبدأ بتنظيفها لتأمين مأوى للقطط في فصل الشتاء. تحولت الحديقة إلى محمية بعد بدء العمل عليها، حيث تجمع الآن أكثر من 170 قط يتم رعايتهم بشكل يومي.

وحظي محمد بلقب “رجل القطط” في مدينة حلب بسبب جهودها في الرعاية القطط، وصلت شهرة محمد عالمياً بعد أن تسلطت الأضواء عليه من قبل وسائل الإعلام المحلية والعالمية، بسبب عمله الأخلاقي والإنساني لحماية هذه الحيوانات التي لا ذنب لها. وبينما يحقق محمد النجاح في هذا المجال، فإنه يشعر بالحزن لوفاة العديد من القطط جراء القصف المتكرر على الأحياء المأهولة بالسكان، فهم يمثلون له روحًا وجزءًا من الحياة.

يضيف محمد: بدأت الحملة العسكرية على مدينة حلب بشكل شرس جداً، وأصبحت أشعر بالخوف على تلك القطط التي أصبحت جزءًا مني ولا يمكنني تركها ليوم واحد، وأخشى أن تتعرض للقصف من الطائرات الحربية التابعة لنظام الأسد.

شاهد أيضاً : بين التاريخ والحداثة مسجد العمري (الكبير) أهم المعالم الدينية في مدينة الباب

بدأ النظام يضغط على مدينة حلب من طريق الكاستيلو من أجل اطباق الحصار على الاحياء الشرقية لحلب.

يردف محمد عندما أذهب لإيصال الجرحى إلى خارج الأحياء الشرقية باتجاه أرياف حلب بسبب عدم قدرة المشافي على استيعاب الأعداد الكبيرة للمصابين، أقوم بشراء اللحوم لهم لتخزينها في حال تم فرض الحصار على المدينة، لأنني لا أريد أن يصبحوا بلا طعام.
تحاصرت الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وكان لدي مخزون من الطعام لتلك الحيوانات الأليفة، ولكن آلة القصف لم ترحم حتى الحيوانات. تعرضت المحمية للقصف من الطائرات الحربية، وفقدت العديد من القطط هذا الأمر جعلني أشعر بالإحباط، لأنهم لا يستحقون هذا الألم.

الخروج من حلب

خرج محمد من مدينة حلب ضمن عملية التهجير القسري، وكانت معي في سيارتي 22 قطًا، قمت بإخراجهم معي من أحياء حلب الشرقية إلى مدينة إدلب.

يردف قائلاً : بدأت العمل في محافظة إدلب بهدف إنقاذ حياة الحيوانات الاليفة التي تتعرض للخطر بسبب القصف المستمر على إدلب، قمت بالعمل مع فرق الإنقاذ واتجهت إلى المناطق التي تتعرض للقصف لإنقاذ هذه الحيوانات وحمايتها. وبفضل دعم منظمات دولية وشخصيات أوروبية وأمريكية داعمة للحيوانات الأليفة.

استطعت بناء محمية جديدة لرعاية القطط في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي سوريا، وهي الأولى من نوعها في المنطقة.
تم إنقاذ عدد كبير من الحيوانات الاليفة في المنطقة، بلغ عدد القطط المنقذة 80 قطة من كفرنبل و40 من معرة النعمان وأكثر من مائة من خان شيخون، وتم توفير الرعاية اللازمة لهذه الحيوانات وتأمين الطعام والمأوى لها، وهذا يعكس الجهود المبذولة لحماية الحيوانات الاليفة في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها الناس في سوريا.

يعرفني الجميع بلقب رجل القطط حسب محمد والذي اكمل توسعت مؤخرًا أعمالي الإنسانية إلى ريف حلب الشمالي والشرقي، حيث بدأت في مساعدة القطط الضالة وتوفير الطعام والرعاية الطبية لهم، بالتعاون مع أطباء مختصين. أطلقت مشروعًا يهدف إلى تأمين الطعام والشرب للقطط من خلال توفيرها في الشوارع العامة، ولقيت الفكرة اقبالًا من الجهات المحلية بدأنا في وضع الطعام والمياه في أماكن مخصصة للقطط في معظم الشوارع والساحات، لنتمكن من تقديم المساعدة للقطط الضالة.

ويكمل محمد أنه واجه بعض الانتقادات بسبب عمله، خاصةً في ظل وجود المخيمات التي تعاني من نزاعات مستمرة ولكنه يرد بكل ثقة: “إذا أراد المرء أن يكون رحيمًا مع الناس، عليه أولاً أن يكون رحيمًا مع تلك الحيوانات التي لا تستطيع أن تقول أنا جائعة”

إنها أرواح أيضاً

في فبراير شباط الماضي، وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، قاد محمد فريقه المتخصص المؤلف من 6 أشخاص للتوجه إلى الأماكن المتضررة في اليوم الثاني من الكارثة. ووجدوا أنفسهم في مدينة جنديرس بريف عفرين شمال حلب، حيث كانت فرق الإنقاذ تعمل بجد لإنقاذ العالقين تحت ركام المنازل المنهارة. وفي هذه الأثناء، تعرض محمد لبعض الانتقادات بسبب حجم الكارثة وعدد الضحايا، حيث كان يعمل على البحث عن الحيوانات المحاصرة تحت ركام المباني المهدمة.

لكن عملهم لم يكن بدون فائدة. حيث تمكن فريقه من إنقاذ نحو 40 قطة، بعضها كان بحاجة إلى علاج بيطري يتم تقديمه في محمية الحيوانات التي أسسها شمال حلب. وعلى الرغم من الانتقادات التي واجهها، يؤكد محمد لوكالة الصحافة السورية ” أن عملي إنساني ولا يقل أهمية عن إنقاذ البشر فالقطط والحيوانات هي أرواح أيضًا وبحاجة إلى المساعدة والإنقاذ خلال الكوارث والأزمات، خصوصًا أنها كائنات تعيش بالقرب من البشر “
يشدد محمد على أن الأديان والشرائع السماوية حضت على مساعدة الحيوانات والرأفة بها، وأن عمله يتماشى مع هذه القيم الإنسانية العظيمة. وبهذا النحو، يسعى محمد وفريقه العطوف للمساهمة في إنقاذ حيواناتنا المنزلية والبرية خلال الكوارث الطبيعية.