قرات الكثير من مقالات حول عرض مسلسل “كسر عضم” والذي يعرض على قناة سوريا، ووجدت الكثير من النقد الفني للمسلسل المذكور بشكل خاص، وللدراما السورية بشكل عام. ووجدت بان هناك من اتخذ موقف الدفاع عن عرض المسلسل على قناة سورية، وتابعت أيضاً الحملة التي أطلقها نشطاء سوريين، ضد عرض المسلسل على تلك القناة. واستوقفني كثيراً ذلك الرد الغريب الذي لا يمكنني وصفه سوى بالاستخفاف بالحملة والقائمين عليها من قبل إدارة تلفزيون سوريا الذي يقدم نفسه على أنه تلفزيون مخصص لجمهور الثورة السورية، وأنه متبني لأفكارها ولمطالبها. وبالحقيقة لن أخفي صدمتي الكبيرة من ردود جاءت على لسان إداريين في التلفزيون ولاسيما الرد الذي كان حرفيا ((تلفزيون سوريا لكل السوريين)) كُّل ذلك مرعلي وأنا مجرد متابع ليس أكثر، ولكنني أؤكد بأنني لم أكن حيادياً خلال الحملة التي أطلقها النشطاء وقد كُنت أحد الموقعين على العريضة التي تم إرسالها لتلفزيون سوريا تطالبهم بوقف عرض المسلسل على القناة. وذلك لقناعتي بمضمونها.
لكن ما أخرجني عن صمتي حول الموضوع هو مقال تم نشره على معرفات أحد التيارات السياسية، التي تًعتبر من التيارات المناهضة لنظام الأسد، والتي تتبنى مطالب الثورة، والتي لها – على حد علمي – أنشطة مُهمة في مناهضة الأسد على الصعيدين المحلي والدولي. ولكنني لن أذكر اسم كاتب المقال، ولن أتطرق للمقال وفقراته، ولكنني سأقدم سرداً شاملاً يشمل كل ما ذُكر في المقال. ولكن في البداية لا بد من استعراض بعض ملامح علاقة الدراما بالأنظمة الديكتاتورية أولا حتى يتوضح تماماً ما سأذكره لاحقاً.
انتبهت الأنظمة الدكتاتورية على علاقة الفن بشكلٍ عام، والدراما بشكلٍ خاص، على قدرتها في تغيير مزاجية الجماهير، والتأثير فيها. فأولت هذا الجانب جُّل اهتمامها، وحشدت لذلك كُّل الإمكانيات المادية والتقنية، والخبرات والأدوات اللازمة لاستغلال هذا المنبر لمصالحها الخاصة. والشواهد على ذلك كثيرة، حيث أن هناك بعض الفنانين كانت لديهم القاب توضح علاقتهم بالسلطة، وكانوا مُقربين جدا من هذه الأنظمة، ولا اظن ان أحدا يختلف مَّعي في هذا الراي. إذ أن الأنظمة الدكتاتورية استغلت الفن والفنانين لصالحها، واعطت للمُّقربين منها مساحة يعملون عليها، بالتنسيق مع أجهزة مخابراتها، لإعطاء طابع ان هذه الأنظمة صدرها رحب وتقبل النقد واللوم ورصد الأخطاء ولكن لم تتطرق هذه الاعمال بكل اشكالها الى راس السلطة.
والسؤال الان هل الدراما السورية كانت تتميز بالنقد الاجتماعي؟ مع انه مُصطلح غريب لم اسمع به من قبل، وانما هناك ما يسمى تجسيد او رصد واقع معين عبر الدراما. والجواب قطعا لا، فهذا الكلام غير صحيح اطلاقاً، والدليل لا يغفل عنه أحد، وكل من يعمل بالوسط الفني والإعلامي في سوريا يعلم ان برنامج (زوار الليل) الذي كان يُّعرض على القناة الأولى اخر الليل في حقبة الثمانينات كان يجب ان يُّعرض على فرع الامن السياسي قبل عرضه، بكل أكاد اجزم، ان هناك مفرزة للأمن السياسي موجودة داخل كل مؤسسة إعلامية او فنية تراقب كل شيء عن قرب. وإن الاستشهاد ببعض الاعمال لتعزيز فكرة ما يُّسمى النقد الاجتماعي بمسلسل “بقعة ضوء” او غيره غير صحيح، والدليل ان هذه الأعمال لم تتطرق يوما لرأس الهرم. أو رأس السلطة، ودائما ما يكون هناك لَّوم على المَّظلوم بأنه مُخطئ في شيئ ما، أي انه ليس نظيفا، وان ما يحصل له هو نتيجة لفساده أو لأعماله السابقة، فيسلط الله عليه هذا الضابط او ذاك الفرع الأمني، وهناك حالة أخرى تبرر فساد الموظف أو رجل الأمن الفاسدين بأن فسادهم كان نتيجة لعدم قيام المواطن المظلوم بالشكوى على ظالمه أي (وهذا ما قاله حرفياً بشار الأسد في أحد لقاءاته بعد الثورة)، أي أن النتيجة واحدة مفادها بأن المواطن هو المسؤول عن حالة الفساد التي تعيش بها سوريا.
لو ان دراما الأسد فعلا تعمل على ما يسمى النقد الاجتماعي فلماذا أذا عندما دخلت شركات الإنتاج الخاصة لم تكمل في هذا النهج، وتحولت إلى الفنتازيا والتاريخي وحقبة العثمانيين والفرنسيين وعهد الانتداب ورصد البيئة الشامية وأساليب العيش ومقارعة الفرنسيين والشهامة والمكدعدة وغيرها من تلك الترهات التي لم تساهم سوى بتخريب الإرث الحضاري للمدن السورية ولاسيما دمشق وحلب.
وللأمانة فأنه كان هناك بعض اللوحات في مسلسل ” بقعة ضوء” ومسلسل “مرايا ” او غيرها تخطت الخطوط الحمراء ولكن كيف؟ الجواب بأن تلك التجاوزات قد قدمت للمشاهدين مُّعتمدة على الرمزية، حيث قُدمت بحالة اللامكان واللازمان ولا شخوص، وهذا النموذج في العرض الدرامي يسمى بالمدرسة الألمانية التي أسسها “بيرتولت بريخت” رائد المسرح الملحمي، وهي تترك للمشاهد تحليل العرض واسقاطه على الواقع الذي يريده.
ويمكن القول بأنه لو كانت الدراما السورية تُقدم ما يسمى النقد الاجتماعي، فإذاً لماذا كان هناك كتاب نصوصهم ومسرحياتهم وكتبهم موضوعة على القوائم السوداء مثل الكاتب (ممدوح عدوان، علي عقلة عرسان، وليد اخلاصي وغيرهم )؟ فإذا عن أي نقد اجتماعي او سياسي يمكن العمل عليه يتكلمون عنه بوجود الامن السياسي الذي يوافق على هذا العمل ويرفض ذاك، ويضع كاتب على القائمة السوداء ويمنع نصوصه ان تعرض؟ بينما المساحة مفتوحة ولكن بحيز بسيط لا يقترب من راس السلطة لبعض المقربين من الفنانين.
وهنا يستوجب السؤال: فعلا اتجهت الدراما السورية للتعبير عن الألم والياس والمعاناة اليومية للمواطن؟ الجواب أيضاً لا. ولا اريد ان أسهب في الإجابة ولكنني سأقدم حادثتين فقط الأولى استهزاء الممثلة “امل عرفة” في أحد مسلسلاتها (كونتاك) على ما حصل في الغوطة الشرقية في دمشق من قتل وتدمير وقصف بالكيماوي ((والذي اعتذرت عنه شخيصاً على صفحتها الرسمية حسب ما اذكر))، فلو كانت دراما الأسد فعلا ترصد معاناة الناس لرفضت عرض على الأقل هذا المشهد. والحادثة الثانية عندما تجرأت “ميشلين عازر” مذيعة قناة الدنيا التابعة لنظام الأسد على الوقوف أمام إحدى ضحايا مجزرة داريا في ريف دمشق وحولها عشرات الجثث التي قتلتهم الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق بشار الأسد وأن تحاول إجراء مقابلة مع تلك الضحية قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة لتجبرها على أن تقول بأن الإرهابيين هم من قتل هؤلاء في استخفاف للعقول لم تشهده حتى دراما هتلر النازي.
ولو كانت “دراما الأسد” بالفعل كما يُّروج عنها، فلماذا اعتقلت بعض الفنانين ومنهم من قامت بتصفيتهم؟ ولماذا تبرأ منها الكثير من الفنانين الأحرار؟ إذا كانت فعلا هذه الدراما ترصد واقع الألم والمعاناة اليومية للمواطن السوري المُّعتر المسكين، واذا اعتبرنا رصد الانحطاط الذي تحاول تجسيده دراما الأسد انها قصصاً حقيقة للمعاناة ولو كنا نعتبر حالة الفقر والعوز الذي وصل اليه المواطن السورية داخل بلده رصدا للمعاناة فهو اجحاف وظلم، اذا انها لم تتطرق للسبب والمُّسبب، وهذه الدراما لم تطرح حلول. وعليه فإن الدراما السورية بريئة من تقديم صورة واقعية للمعاناة والالم براءة الذئب من دم يوسف.
وهناك سؤال أخر مشروع وهو: هل دراما الأسد اصبحت أكثر نُضجاً بعد الثورة؟
والجواب بالطبع لا، والأدلة كثيرة فقد تبنت دراما الأسد رواية النظام في كل طُروحاتها، ضاربةً عرض الحائط بما حصل منذ انطلاق الثورة الى الان، وقربت اليها الفنانين المواليين لبشار الأسد، فمنهم من وضع الحذاء العسكري على راسه (زهير رمضان) ومنهم من يرفض إتمام لقاء تلفزيوني لمجرد التطرق الى بشار الأسد ( سوزان نجم الدين) ومنهم من يرفض أي كلمة عن راس السلطة ويضع خطوط حمراء (باسم ياخور). بينما ابعد الكثير من الفنانين الذين انحازوا لثورة شعبهم ورفضوا قتل السوريين عن تلك الدراما التي لا يمكنني وصفها سوى “بدراما الدم” ودفعوا لقاء موقفهم المشرف هذا الكثير من العُّوَز وهناك ظلم واجحاف حتى بحق الفنايين الذين بقو في حضن النظام منهم على سبيل المثال (الفناة سوسن علي ) التي تحمل شهادة جامعية وتعمل الان مُّستخدمة في مديرية التربية ولها مشاركات في عدة مسلسلات ومعروفة في الوسط الفني فاين النضج في الموضوع.
اما بخصوص حملة النشطاء على تلفزيون سوريا لإيقاف مسلسل “كسر عظم” والرد غير المهني من قبل بعض موظفي القناة، ورفض إدارة القناة الرد على الايميل، او اصدار بيان رسمي باسم القناة توضح وجهة نظرها، فيمكن القول انه لا يمكن تحت أي مبرر أن تقوم قناة إعلامية تدعي تبنيها لمطالب الثورة بالعرض على شاشتها مسلسل من انتاج النظام وابطاله شبيحة للنظام، وساهموا بشكل او باخر بمعناة وتهجير وقتل شعبنا بوقوفهم الى جانب الظالم ضد المظلوم والتبرير غير المنطقي بأن تلفزيون سوريا لكل السوريين فهؤلاء الفنانين من أمثال زهير رمضان ودريد لحام وفايز قزق باسم ياخور وعباس النوري وسلاف معمار وسلاف فواخرجي وأمل عرفة وغيرهم العشرات ممن وقفوا مع نظام القتل إذا كانوا سوريين بالهوية فهم حتما غير سوريين بالكرامة وغير سوريين بالشرف وغير سوريين بنصرة المظلوم وغير سوريين بالشماتة والتشفي بشعبهم الذي صنعهم وجعل منهم نجوماً .
مطالبات لقناة سورية معارضة بوقف عرض مسلسل “كسر عضم”.. ما … (arabi21.com)
وحتى الحجة الأخرى التي تقدم بها بعض العاملين في قناة سوريا بأن القناة ليس لديها إمكانيات لإنتاج دراما لن نقول تتبنى الثورة ولكن على الأقل دراما لفنانين وقفوا مع شعبهم مثل فارس الحلو وعبد الحكيم قطيفان ونوار بلبل ويارا صبري وغيرهم. حتى هذه الحجة التي تقدمت بها إدارة القناة غير منطقية لأن الجمهور المُتابع لتلك القناة لم يطلب منها بدائل درامية، والقناة غير مُلزمة أمام الجمهور بعرض مسلسلات ليتم تقديم مسلسل يعمل فيه فنانين يعتبرون موظفي قناة سوريا إرهابيين ومخربين ودمروا البلد وقد ساومهم (اندريه سكاف) حين طلبوا منه الظهور على برنامج (شب الكبة) باعتبارهم قناة معارضة فيجب ان يكون الاجر اكثر. بل أن هناك بدائل أخرى كثيرة جدا يمكن تقديمها لجمهور قناة سوريا الذي ينتمي بالمطلق للثورة، منها حلقات قصيرة ناقدة يتم تنفيذها من قبل شباب موهوبين ويمكن تقديم فيلم بوجود بعض النجوم، وبعض المواهب الشابة لتحمل باقي الأدوار، وهناك مخرجين سوريين نالوا جوائز عالمية ممكن ان يعملوا مع القناة باقل كلفة ممكنة منهم المخرج الكبير”رضوان الأطرش” الموجود في إسطنبول وغيره الكثيرين ولن يكلف المسلسل او الفلم الواحد من تلك العينات المرغوبة من قبل جمهور القناة سوى عشر تكلفة شراء مسلسل مثل مسلسل “كسر عظم”.
وإذا كان لابد للقناة من عرض مسلسل ما تماشياً مع ما جرت عليه العادة في شهر رمضان فكان الأولى على قناة سوريا أن تستعين بدراما غير سورية ممكن مصرية أو خليجية أو أردنية ولاسيما وأن الدراما الأردنية قريبة نوعاً ما من شعبنا السوري بالعموم ومن شعبنا في درعا مهد ثورتنا وسيكون ذلك بكل تأكيد أقل كلفةً من كلفة شراء مسلسل او انتاج مسلسل مثل مسلسل “كسر عظم”.
اقرأ أيضاً: متيافورا للإنتاج الفني… ذراع تلفزيون سوريا في خدمة شبيحة الأسد خلال شهر رمضان المبارك