سوريا

عبد الله عاني الماضي .. شهيداً على مذبح الحرية

الماضي اعتقل عدة مرات

في مدينة دير الزور ولد ” عبدالله عاني الماضي “في الخامس من شباط عام 1957وهو مهندس مدني تخرج من كلية الهندسة المدنية في جامعة حلب
كما عمل في مديرية الخدمات الفنية وفي الأشغال العسكرية أثناء خدمة العلم ثم في مكتبه الهندسي الخاص في مدينة دير الزور, متزوج ولديه من الأبناء الدكتورة فرح وجاد (طالب جامعي في جامعات تركيا)

وما يحزنني وأنا أكتب هذه المقالة أن هؤلاء الشابان لم ينعما بالعيش في كنف أبيهما. فقد اعتقل الأب في المرة الأولى، وكانت فرح طفلة ليعود من سجنه وهي شابة، ثم ليرزق بجاد الذي تركه طفلاً أيضاً ولكن إلى الأبد هذه المرة شهيداً على يد الطغاة

كان الراحل عبد الله العاني ومنذ صغره مؤمناً بالحرية وبدولة القانون، انضم إلى صفوف حزب العمال الثوري وتتلمذ وتربى على كتابات الآباء المؤسسين لهذا الحزب وهم: المرحوم حمدي عبد المجيد العاني، والمرحوم ياسين الحافظ، والمرحوم الياس مرقص، لينهل من كتاباتهم ما يضيف إلى صفاء سريرته ونقائه صفاءً ونقاءً آخر. لقد كان المرحوم عبدالله مثالاً للمحاور الهادئ والرصين الذي يقارع الحجة بالحجة بشوشًا مع محاوريه، منفتحًا على كل الأفكار، معتمدًا على قاعدة “خلاف الرأي لا يفسد للود قضية”.

اعتقل في المرة الأولى عام ١٩٩٠م في صيدنايا، وكانت التهمة الموجهة له ولمن معه من الأصدقاء، منهم الشهيد المحامي شكور التبان الذي مات تحت التعذيب في ذلك الحين، والمحامي وليد مطيران، والمرحوم داود شحاذة، وآخرين.

حمل بيان التجمع الذي يستنكر ويدين مشاركة فرقتين من الجيش لتقاتل الجيش العراقي مع الأمريكان، واعتبر لهذا السبب مجرمًا بنظر الطغاة. ليحكمه رئيس محكمة أمن الدولة المشؤومة التي أجرمت بحق السوريين، وعلى يد المجرم سيء الذكر رئيسها فايز النوري الذي مزق مرافعة المحامي محمد سلام التي كانت مرافعة وطنية بامتياز ورماها في سلة المهملات، ونطق بحكمه الجائر. ليفرج عنه في عام ١٩٩٨م.

لم يحمل في قلبه أي ضغينة على جلاديه، بل عاد كما كان، متسامحًا ولم يحقد على أحد من جلاديه، محرومًا من الحقوق المدنية والعسكرية. ليعود إلى ممارسة حياته كما كان، مهندسًا من أشهر مهندسي محافظة دير الزور، وناشطًا سياسيًا، باحثًا عن الحرية كما كان في كل حياته. وبقي حتى بداية الثورة عام ٢٠١١م، ليشارك في الاعتصامات والمظاهرات السلمية كرمز من رموز البحث عن الحرية في محافظة دير الزور.

ليتواجد في القامشلي رفقة المرحوم مشعل تمو، وفي الرقة، وفي الميادين، والعشارة، والقورية، مسقط رأسه، وفي كل مكان من سوريا، موجهًا الناس إلى الهدوء والابتعاد عن العنف، وداعيًا للسلمية بِهُدوءه المعهود ورؤيته البعيدة وقراءته للواقع واستشرافه للمستقبل، وقبل هذا وذاك لمعرفته بإجرام النظام.

لكن الطغاة والمستبدون كعادتهم لا يمكن أن يقبلوا بهذا النوع من القادة والسياسيين، لذلك لم يستطع أن يقبل نشاطه المستمر بين المحافظة. ليختطفه حاجز المخابرات الجوية على طريق حمص السلمية عندما كان متوجهاً نحو دمشق، هو وبعض أصدقائه، في أيار من عام ٢٠١٢م. وقبع في أقبية إدارة المخابرات الجوية منذ ذلك التاريخ حتى استشهاده تحت التعذيب.

لم يعرف أهله أي شيء عنه سوى أن من اختطفوه هم حاجز المخابرات الجوية، ولم يروه أو يتواصلوا معه. لكنهم بقوا يعيشون على أمل عودته في يوم ما. تنتظره فرح ليحضن أبنائها ويسمع منهم كلمة جدي ويفرح بها كطبيبة تسير على نهج والدها في طلب الحرية.

ينتظره جاد ليريه أنه أصبح شابًا يستطيع أن يسنده في شيخوخته. كما تنتظره أم فرح التي عانت وصمدت أمام كل الأهوال في سنين اعتقاله السابقة والأخيرة، وربت أبنائها على حب الوطن وحب الحرية والسير على نهج والدهم، الذي ذهب شهيدًا على يد جلاديه.

فهنيئًا له الشهادة وعزاؤنا، كما قالت فرح: “في خلاصك من عذاب الاعتقال في سجون المجرمين”. لم يعرف أهله قبره، ولم تسلم لهم جثة. فقط أخبرهم أحد الناجين من الاعتقال بوفاته منذ سنين.

رحل أبو فرح وهو لم يكن مانديلا ولا غاندي ولا القائد التاريخي للثورة. ولا يحمل أي مسمى من المسميات التي يطلقها البعض على شخصيات المعارضة التي لها ما لها وعليها ما عليها.

رحيل العاني لم يكن نهايةً للقصة، بل بداية لتحديات جديدة ومسؤوليات للأجيال التي تلته. يظل الشهيد عبدالله العاني حياً في ذاكرة وجدان السوريين، رمزًا للتضحية والتمسك بقيم الحرية والكرامة.

في زمن الاضطهاد والقمع، أثبت العاني أن النضال من أجل الحقيقة والعدالة لا ينطفئ. رفع راية الحرية بشجاعة، ورغم غياب القبر الذي يزار، إلا أنه أصبح قبرًا رمزيًا في قلوب السوريين الذين يؤمنون بقضيته وتضحياته.

وعلى الرغم من ألم الفراق، تظل روح العاني حاضرة في السماء السورية كنجمة لا تخمد.

اقرأ أيضاً: مشروع ” تاكسي ” جديد يعطي أولوية للجندرة في الشمال السوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى