لن أقرأ أو أجهد نفسي في قراءة كتاب “التغريبة السورية: الحرب الأهلية وتداعياتها المجالية والسكانية 2011-2020م” الذي أصدره مركز حرمون بتوقيع الباحث سامر بكور. الرسالة واضحة من خلال الكلمات السابقة: محاولة من المركز والباحث لتغيير مسمى الثورة وتحويلها إلى “حرب أهلية”. والحرب الأهلية هي حرب بين مكونات المجتمع الواحد، أي الدولة الواحدة، على أساس عرقي أو ديني أو طائفي. وهذا لا ينطبق على ما جرى في سوريا من قريب أو بعيد، لأن ما جرى في سوريا هو ثورة لشعب يبحث عن الحرية والكرامة ضد نظام مستبد دمر البلاد وقتل وهجّر وسجن العباد. والمتتبع الحيادي والمنصف لما جرى يرى أنه كان مع كل طرف، سواء النظام أو الثوار، أفراد من كل شرائح الشعب السوري الإثنية أو الدينية وحتى الطائفية والحزبية. فقد شاهدنا من كل هذه الفئات والتلاوين السورية من هو مع النظام أو ضده، وإن لوحظ وجود مكون مسيطر على جيش النظام فهذا ليس سببًا ليصبح اسم الثورة “حربًا أهلية”. إن هذا المكون مسيطر على الجيش لأن النظام يريد ذلك، وقد استخدم طائفته ووضعها في مواجهة السوريين جميعًا بشتى أقسامها.
إن الكتاب، على ما يبدو من عنوانه، محاولة لجعل مفهوم الحرب الأهلية واقعًا على الساحة الدولية والواقعية، ولجعل هذا المفهوم والمسمى حقيقة. لماذا؟ هذا هو السؤال الذي يجب طرحه على الباحث وعلى مركز حرمون. ما الذي يريدونه من هذه التسمية؟ وهل هناك دوافع لهذا؟ أم أن هناك جهات دولية تريد وضع هذا المسمى على الطاولة لتسويقه؟ علمًا بأن من طرحه وذكره أول مرة هو الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في عام 2012م عندما استقبل الرئيس الفرنسي هولاند. وكلنا يعرف من هو أوباما ولماذا تم هذا الطرح المبكر وكيف أوقف كل المحاولات لمساعدة الثورة السورية. حتى أنه منع تسليم صواريخ الدفاع الجوي، وحتى إن كان سيتم شراؤها من قبل جهات أخرى، فقد أوقف الشحنة التي تم شراؤها، وتمت تجربة عدة صواريخ منها وأعيدت حتى عنوانها وأرفقت بشريط فيديو للإطلاق حتى لا يتم تسريبها لجهات أخرى كما ادعى الأمريكيون في حينها. إلا أنه رفض كل الضمانات المقدمة وأصر على حجز الصواريخ، على الرغم من أنها كانت ستكون الرادع الحقيقي للنظام وطيرانه الذي دمر به سوريا وقتل أهلها. وكانت ستصنع الفارق الذي يسقط النظام في ذلك الحين.
عليه، نعتقد أن الدور الدولي في توصيف الثورة السورية والتدخلات التي حصلت من الدول وعدم ترك الشعب ليحدد خياراته كانت العائق الأول لمسار الثورة وعدم انتصارها. فهذه التدخلات العملية كانت كلها تصب في مصلحة النظام، فقد كان أصدقاؤه داعمين له فعليًا في حين أن أصدقاء الثورة كانوا داعمين اسميًا. ولا تزال التدخلات مستمرة، من تسييس لمشكلة اللجوء في دول اللجوء وجعل اللاجئين مادة للتداول السياسي، إلى تسيير للمعونات والمنظمات القائمة عليها، وصرف مليارات الدولارات بلا فائدة، وتصنيف الشعب السوري إلى مؤثرين ومتأثرين، وغيرها من التصنيفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. إلى مراكز الأبحاث التي تصدر أبحاثها وهي بعيدة عن الواقع، ومن أبراجها العاجية في إسطنبول وغيرها، ولم يصل باحثوها إلى أرض الواقع ولم يجروا أي استبيان حول بحوثهم على أرض الواقع، بل هي أفكار يريد تسويقها الداعم والممول، ويقوم الباحثون بطرحها، وتشتغل الماكينات الإعلامية وأبواق هذه المراكز على تسويقها للناس، ليصبح استخدام المصطلح واقعًا وسهل التداول بين الناس.
أخيرًا، ما يلفت الانتباه هو أن هذا الكتاب صادر عن مركز حرمون الذي صدر نفسه عند إنشائه كداعم للثورة ومع التغيير في سوريا. فأين هم من الثورة وأين هم من التغيير عندما يعتبرون أن ما جرى في سوريا هو حرب أهلية؟ والمؤسف أن الباحث سوري ويصنف نفسه بأنه مع الثورة ومن أبنائها، لكن عنوان كتابه يقول عكس ذلك. يبدو أن هذا الكتاب هو محاولة لتشويه الثورة وسرقة دماء شهدائها، لكن ما يمكن قوله هو أن الثورة لن تجدي معها كل محاولات التشويه. ورغم كل الانتكاسات التي تمر بها، إلا أنها لا تزال مستمرة وستبقى جذوتها متقدة حتى النصر وتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها، وهي الحرية والكرامة وإقامة دولة القانون.
اقرأ أيضاً: بين شهيد القدس وشهيد طهران